المثلين من الأحكام باصطلاحهم، والله العالم.
هذا كله في القطع.
وأما الظن فهو مثل القطع إذا اخذ في موضوع شخص الحكم، أو فرض كونه طريقيا معتبرا إلى الواقع المظنون، وأما أخذ الظن غير المعتبر في موضوع حكم مضاد لما ظنه أو مماثل له فلا بأس به، كما لا يخفى لمن تدبر.
الأمر الخامس في الموافقة الالتزامية قد يستشكل فيقال: إن حقيقة القطع والعلم هو الإذعان بالنسبة، فلا يتصور للقاطع أن لا يوافق مقطوعه التزاما، بل الموافقة الالتزامية ضرورية الثبوت للقاطع ومن لوازم قطعه، فلا مجال لتوهم عدمها، ولا لاتصاف مثلها بالوجوب من باب وجوب امتثال التكاليف، فإن المعتبر في الواجب أن يكون أمره بيد المكلف.
والجواب: أن المراد بها هو الخضوع القلبي لما قطع به وثبت لديه في قبال الاستكبار النفساني، فمن علم بنبوة النبي: فتارة يبني في قلبه على أن يراه في مقام الإظهار والإثبات نبيا فيذعن له قولا، وربما يعمل بأحكامه عملا، فهو ملتزم بالنبوة مؤمن بها. وأخرى يكون ذا قلب متكبر يبني على جحوده وإنكاره، فينادي بالإنكار، ولا يطيع ما ينبئ به من الأحكام، فيكون من الكفار، والظاهر أنه المراد في مثل قوله تعالى الوارد في وصف الكفار: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) *، وعليه فالإيمان والكفر أمر وراء مجرد العلم واليقين، ومع ذلك فهما من الأمور والصفات القلبية التي أمرها بيد المكلف كالأعمال الجوارحية.
وحينئذ فالحق أنه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية، فإنها ليست من مراتب الامتثال الواجب في حكم العقل، كما أوضحه الأعلام شكر الله سعيهم، ولا مما يلزمه وجوب الاعتقاد بالنبوة، فإن معنى الاعتقاد بها أن يبنى على أن ما يخبر به فهو مما حكم به وقاله الله تعالى، وهو كما ترى غير البناء القلبي على موافقته،