فليس في البين دليل وارد على قبح العقاب بلا بيان، ولا دليل معارض لمثل قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع ما لا يعلمون ".
هذا تمام الكلام في السنة.
الاستدلال للقول بالاحتياط بحكم العقل:
وأما العقل فتقرير الاستدلال به من وجهين:
أحدهما: أن العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة يقتضي - بحكم العقل - الاحتياط في موارد احتماله، لوجوب الموافقة القطعية في أطرافه عقلا.
والجواب عنه أولا: أن أطراف هذا العلم الإجمالي على قسمين: قسم يقوم عليها حجة، بل طريق معتبر على ثبوت التكليف الإلزامي فيه بعد الفحص عن الأدلة، وقسم لا يظفر بحجة خاصة على ثبوته فيه.
فمن أول زمان انعقاد هذا العلم الإجمالي ليس شئ من الأطراف مصبا وموضوعا لأصالة البراءة، لفرض عدم الفحص، واشتراط إجرائها بالفحص، كما أنه من أول الأمر يعلم بأن الفحص عن الدليل يوصل إلى التكاليف الإلزامية بمقدار المعلوم بالإجمال، بل أزيد، فهذا القسم الذي يظفر فيه بالدليل على التكليف لا يصير موضوعا ومجرى لأصالة البراءة، لا قبل الفحص ولا بعده.
والقسم الآخر وإن لم يجر فيه أصالة البراءة قبل الفحص إلا أنه بعد الفحص وتحقق هذا الشرط فيه يكون جريان أدلة أصالة البراءة فيه بلا مزاحم ولا معارض.
فالحاصل: أن نفس العلم الإجمالي لا يخرج الأطراف عن موضوع أدلة الأصول، بل المانع هو الابتلاء بمعارضة جريانها في جميع الأطراف، فإذا لم تجر في بعضها أصلا كان جريانها في سائر الأطراف بلا إشكال.
وثانيا: أنه كما أن العلم الإجمالي ينحل حقيقة إذا زال إجماله بالمرة - مثل ما إذا علم إجمالا بحلية أحد الطرفين وحرمة الآخر، ثم علم تفصيلا وعرف ذاك