موضوع للحكم الإلهي الكلي أو الجزئي، فكيف يقال بوقوعها كبرى في قياس الاستنباط؟ وهل هذا إلا عدول عن طريقيتها المحضة، أو غفلة عن أصول مبينة موضوعة؟! بل إن تمهيد القواعد الأصولية لاستنباط الأحكام عن أدلتها في باب الأمارات ليس إلا تمهيد الطريق والعلم لإثبات ذي الطريق والمعلوم. وهذا التمهيد - كما عرفت - غير متحقق في قاعدة الاستصحاب.
بل لو أردنا دخولها في مسائل علم الأصول لما كان لنا بد من زيادة ما زاده المحقق الخراساني (قدس سره) بقوله: " أو التي ينتهي إليها في مقام العمل " فقاعدة الاستصحاب مثل البراءة والتخيير والاحتياط داخلة في محتوى هذه الزيادة المباركة. إلا أنها تعم أصالة الطهارة في الشبهة الحكمية، مع أنها قاعدة فقهية، ولا محيص في إخراجها من زيادة قيد أخرى على ما قال، مثل أن نزيد قولنا:
" ولم تكن مختصة بباب خاص " فتخرج عنها قاعدة الطهارة المختصة ببابها.
عصمنا الله من الزلل في القول والعمل.
الثالث: قوام الاستصحاب كما يظهر من تعريفه بتحقق أمر والشك في بقائه، أي وجوده المتصل بزمان قبل زمان الشك، فإحراز جريانه بمثل اليقين بوجوده في الزمن الأول والشك في بقائه، وهذا اليقين وذاك الشك يختلف متعلقهما بمجرد الطرف الزماني الذي يقع فيه، وأما نفس اليقين والشك فمجتمعان في زمان واحد وأمكن حصولهما معا، كما أمكن حصول كل قبل الآخر، وهو واضح. ومعنى اعتبار الاستصحاب هو الحكم ببقائه زمن الشك.
وأما قاعدة اليقين فهي أن يتعلق اليقين بشئ في زمان ثم تبدل اليقين فيه بالشك فيه نفسه، لا يفترق فيها متعلق اليقين والشك أصلا، بل كلاهما متعلق بوجود الشئ - مثلا - في زمان خاص، ومعنى اعتبارها أن يحكم مع الشك أيضا بوجوده في ذلك الزمان.
كما أن قاعدة المقتضي والمانع موردها أن يعلم بوجود أمر فيه اقتضاء أن يؤثر أثرا خاصا ويشك في مصادمته مانع له، ولذلك يشك في تحقق ذاك الأثر،