الثالث (1): أن العمل الذي يتعلق به التكليف ويجعل موضوعا له: تارة يؤخذ موضوعا بنحو صرف الوجود، والمراد به هنا: نفس طبيعته المتحققة بأول فرد منها:
وتارة يؤخذ بوجودها الساري، ويلحق بها ما إذا جعل موضوع التكليف أفرادها بنحو العموم الاستغراقي، مثل " أكرم العلماء " فإن الحكم وإن تعلق بأفراد العام إلا أنه إنما يتعلق بأفراده الذاتية، أي بما أنه مصداق العالم مثلا، ولا يكون خصوصيات الفرد غير الدخيلة في كونه عالما متعلقة للتكليف، فقوله: " أكرم العالم، أو عالما " وقوله: " أكرم العلماء، أو كل عالم " سواء في أن خصوصيات الفرد غير داخلة في موضوع التكليف ولا مطلوبة، فلا مجال لقصد القربة بشئ من الخصوصيات.
وعلى جميع التقادير: تارة يكون المتعلق من أعمال المكلف فقط غير موقوف بأمر خارجي، وتارة يكون له تعلق به، مثل " إكرام العالم وشرب الخمر " فإنهما موقوفان على وجود العالم والخمر، بخلاف مثل الصلاة والكذب، والتكليف في القسم الثاني تارة يكون مشروطا بوجود هذا الأمر الخارجي، وتارة يكون مطلقا بحيث يجب إيجاده لو أمكن أولا، ثم إتيان الفعل المتعلق به.
ثم إن التكليف في هذه الصور: إما أن يكون أمرا وإيجابا، وإما أن يكون نهيا وتحريما.
فإذا كان التكليف إيجابا: فإن تعلق بصرف الوجود، فإن لم يكن له تعلق بأمر آخر وكان قادرا على الامتثال فقد اشتغل ذمته بالواجب، فإن شك في مصداقية فرد لم يجز الاكتفاء به، فإن العقل يحكم بوجوب تفريغ الذمة يقينا عن ما اشتغلت به الذمة يقينا، وإن لم يقدر إلا على ذلك الفرد المشكوك المصداقية فحيث إنه عالم بقدرته على ذلك الفرد وبعجزه عما سواه فشكه لا يرجع ابتداء إلى الشك في القدرة على الامتثال، لعلمه بحدود عجزه وقدرته، بل إنما يشك في أن هذا الفرد