لا يترتب عليه عقوبة دنيوية أو أخروية - ولا مثل تبعة بطلان المركب بترك الجزء أو الشرط - فمجرد التكليف الفعلي لا ثقل فيه على المكلف به، فغاية مدلول الحديث والمتيقن منه مجرد الترخيص في المخالفة، ولا دليل ولا حجة فيه على رفع أصل التكليف، بل مقتضى إطلاق أدلة إثبات التكليف ثبوته، ولا حجة على خلافه، فمقتضى القواعد ثبوت التكليف وثبوت الترخيص في خلافه، والله العالم.
لكن ليعلم أن هذا الذي ذكرناه إنما هو بالنسبة إلى مقتضى مجرد الجمع بين حديث الرفع وأدلة إثبات التكليف، وإلا فربما كان هنا دليل آخر مقتضاه نفي أصل التكليف مع طرو بعض هذه العناوين.
ومن الأخبار التي استدل بها حديث الحجب:
فقد روى ثقة الإسلام الكليني (قدس سره): عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم " (1).
ورواه الشيخ الصدوق في توحيده: عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، إلا أنه قال: ما حجب الله علمه عن العباد (2).
وتقريب الاستدلال به: أنه لما لم يمكن وقوع أي فعل كان إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته فيصح إسناد حجب الأشياء أو العلم بها عن العباد إلى الله تعالى، وإن كان ناشئا عن معصية من عصى الله في إيجاد أسباب الاختفاء، ولا سيما إذا فحص المكلف عنه في مظانه ولم يعثر عليه. وعليه فالحرمة والوجوب المجهولان مما حجبه الله وحجب العلم به عن العباد، فهما موضوعان عن العباد، ووضع التكليف عن العبد كرفعه عنه لا أقل من أن يكون برفع ثقله عنه، ولو بقرينة أن الأحكام الشرعية مشتركة بين العالم والجاهل بها. هذا.