الواقعي، فالحكم الواقعي مجهول غير معلوم إلا أنه بحيث لو كان فالحجة عليه قائمة، نعم، كل ما قام عليه طريق معتبر يطلق عليه أنه معلوم.
وبعبارة أخرى: العلم ما يرادفه في الفارسية. " دانستن " وهو وإن لم يطلق على خصوص القطع المائة في المائة، بل يطلق على كل ما قام عليه طريق معتبر إلا أنه لا يطلق أيضا على كل ما هو حجة معتبرة وإن لم تكن طريقا. ومنه تعرف أن أدلة الأمارات المعتبرة توجب خروج ما قامت عليه أمارة عن عنوان " ما لم يعلم " حقيقة، وهذا بخلاف الاستصحاب الذي هو أيضا من الأصول، فجريانه لا يوجب خروج مجراه عن ذاك العنوان حقيقة، إلا أن قوله: " لا تنقض اليقين... " تعبد ببقاء اليقين الذي هو العلم، فلازم جريانه تحقق علم تعبدي، ونتيجته:
حكومته على حديث الرفع، وكل ما كان على عنوان العلم واليقين.
فلا ينبغي الشك في صدق " مالا يعلمون " على التكاليف المجهولة قبل الفحص، فإطلاق حديث الرفع يقتضي جريان البراءة الشرعية ولو قبل الفحص أيضا إلا أنه لابد من الخروج عنه لوجوه:
منها: قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * بيان الدلالة: أنه تعالى أوجب على المخاطبين - بعد فرض أنهم لا يعلمون بأن النبي يمكن أن يكون بشرا - أن يسألوا أهل الذكر، ومقتضاه أنه ليس لهم أن يقعدوا مقاعدهم، ولا يلتفتوا إلى من يدعي النبوة والإتيان بأحكام من الله تعالى اعتذارا بأنا لا نعلم صدقه، ولا أن ما يدعيه أنه حكم الله كان حكما منه تعالى، فنحن غير عالمين بذلك، فنستريح من تعب السؤال والفحص، بل أوجب عليهم أن يفحصوا ويسألوا أهل الذكر حتى يتبين لهم الأمر، وهذا الذي تضمنته الآية مصداق لقاعدة كلية عقلائية، وإرشاد إليها وإمضاء لها، وهي: أنه كلما احتمل حكم ووظيفة من ناحية المولى الواجب الطاعة فعلى العبد أن يفحص من مظان استبانته، وليس له أن ينام ويستريح من تعب الفحص والسؤال إلى مثل قولهم (عليهم السلام): " رفع ما لا يعلمون ".