العرف هي المتيقنة صدق على رفع اليد عنها عنده نقض اليقين بالشك بلا أية مسامحة، فيعمه النهي عن النقض، كما لا يخفى.
نعم، لو كان الملاك هو حكم العقل لوقع في موارد الاستصحاب تضيق، ولكان إنما يجري في الشك في الموضوعات إذا شك في بقاء وجودها أو عدمها، وفي ما كان الشك في بقاء الحكم الكلي لا من جهة زوال أمر يحتمل عقلا دخله في الموضوع واقعا، بل من جهة أن هناك تغير حالة أو زمان يحتمل دخله، لا في فاعلية موضوع الحكم بالنسبة للملاك المترتب عليه، بل في قابلية المحل والمكلف - مثلا - بالنسبة له، كما بيناه تفصيلا في بحث الواجب المشروط، من مباحث مقدمة الواجب عند التعرض لنقد كلام الشيخ الأعظم (قدس سره)، القائل برجوع القيود إلى المادة دون الهيأة، وعليه فإطلاق كلام صاحب الكفاية (قدس سره) هنا ممنوع.
ثم إن الفرق بين كون الميزان هو فهم العرف أو حكم العقل أو لسان الدليل مذكور في كلام القوم، ولا حاجة إلى بيانه.
الجهة الثانية: لا ريب في أن ركن الاستصحاب إنما هو الشك في البقاء، كما مر في صدر البحث الكلام عنه، فلو كان الشك متعلقا بنفس زمان اليقين لم يكن من الاستصحاب في شئ، وكان من باب الشك الساري وقاعدة اليقين.
وحينئذ يقع الكلام ولو استطرادا في أنه هل قاعدة اليقين أيضا معتبرة كالاستصحاب، أم لا؟
والكلام: تارة في دلالة مثل قولهم (عليهم السلام): " لا ينقض اليقين بالشك "، وأخرى في قيام دليل آخر عليه. كما أنه بعد مسلمية إرادة الاستصحاب من الجملة المعروفة قد يبحث عن إمكان إرادة القاعدة أيضا منها، وقد يبحث عن ظهورها في إرادة المعنى الأعم منها.
أما إمكان إرادة كلتيهما فالظاهر إمكانها، فإن جل تقريبات امتناع الجمع بينهما مبني على أن يكون إرادة كل منهما بإفادة الخصوصية المختصة بكل منهما، فيقال بأن إرادة ذات المتيقن معراة عن زمانه، وإرادته مقيدا بالزمان الأول