البحث عنه إجمالا بذكر أمور:
الأول: أن مرادنا بالأحكام الوضعية هو ما كان غير التكليف مما قرره الشارع وقننه، فيبحث عن أنه مجعول حقيقة استقلالا أو تبعا، أم هي أمور منتزعة من التكاليف، وإنما المجعول هو الأحكام التكليفية الخمسة؟ ولا وجه لانحصاره في عدد خاص، بل يعم كل ما يناله يد الجعل الشرعي - على القول بالمجعولية - وكان غير الأحكام الخمسة.
الثاني: أن الأمور الخارجة عن الذهن أقسام ثلاثة:
فإنها: إما موجود خارجي يكون الخارج ظرف وجوده وكان لها واقعية وما بحذاء فيه، وهي جميع الموجودات الخارجية الشاملة لأنواع الجواهر والأعراض، بناء على تسلم وجود العرض خارجا، كما هو المشهور بين الفلاسفة.
وإما أمر انتزاعي ليس الموجود في الخارج إلا منشأ انتزاعه، ولا يزيد على وجود المنشأ في الخارج حيثية خارجية أصلا، إلا أنه مع ذلك فالمنشأ بحيث ينتزع العقل عنه ذاك الأمر الانتزاعي - كعلية العلة ومعلولية المعلول - فإنه لا ريب في أن المتحقق في الخارج ليس إلا العلة بحدها الوجودي، والمعلول أيضا بحده الوجودي، ولا يزيد على وجودهما بجهة العلية والمعلولية شئ أصلا، إلا أنه مع ذلك فالعقل يدرك ويرى أن أحدهما علة ومنشأ، والآخر معلول وناش عنه، وينتزع عن أحدهما معنى العلية، وعن الآخر المعلولية، وهذان المفهومان في عين أنه لا حاجة في انتزاعهما إلى ضم حيثية خارجية إلى منشأ الانتزاع، إلا أنهما ليسا من قبيل أنياب الأغوال أمرا خياليا، ومثلهما مفهوم الشرطية والجزئية والمانعية... إلى غير ذلك.
وإما أمر اعتباري قوام تحققه باعتبار من إليه الاعتبار، كما في العهود المنعقدة بين العقلاء فإنها تعد أمورا متحققة يترتب عليها عندهم آثار عقلائية، لكنها ليست أمورا موجودة في عالم الخارج، بل - كما قيل - في عالم الاعتبار، فعهد البيع أو الإجارة أمر متحقق بين المتعاقدين، إلا أن تحققه في عالم الاعتبار،