وإن كان هنا من هو أعلم منه، لكنه إنما هو في ما إذا لم يعلموا باختلاف نظرهم ورأيهم في مورد الحاجة، وأما مع العلم بالاختلاف فمقتضى أن حجية قول أهل الخبرة من باب الطريقية وأن تعارض الطريقين يوجب تساقطهما وعدم حجية شئ منهما بالخصوص في مؤداه، أن يتساقط قول كلا العالمين الأفضل والفاضل عن الحجية، إلا أن التأمل في سيرتهم في باب تعارض قول أهل الخبرة يعطي أن الساقط حينئذ هو خصوص قول الفاضل، وإلا فاتباع قول الأفضل مما لا بأس به عندهم بل هو المتبع لديهم.
وحينئذ فعمومات أدلة التقليد المقتضية لحجية قول كل من العلماء والمجتهدين تقتضي عند التعارض وبحكم التعارض طريقية قول خصوص الأعلم.
فما ذكرناه هو الظاهر من سيرة العقلاء التي تنزل عليها الأدلة اللفظية، ولا أقل من أنه المتيقن من سيرتهم، وإن حجية قول المفضول مشكوكة مع التعارض والأصل عدم حجيته.
وأما الإجماع المدعى على تعين الأعلم فلا قيمة له مع احتمال استناد قول المجمعين إلى مثل هذه السيرة، مضافا إلى أن الإجماع المنقول ليس بحجة. كما أن أخبار العلاج مختصة بالأخبار المتعارضة، أو باختلاف الحكمين، ولعل لباب القضاء المبني على فصل الخصومة خصوصية.
المبحث السادس تقليد الميت إن تقليد الميت ابتداء قد اشتهر المنع عنه في كلام الأصحاب، بل نقل الإجماع على عدم جوازه في كلام جمع كثير من المتأخرين، لكنه قد علله كثير منهم بأنه لا قول للميت، فصار الإجماع وأقوال المجمعين معللا، فلو استشكلنا العلة أو منعنا عنها لما كان للإجماع المدعى قيمة.