الأمر الرابع: أن العلم الإجمالي إنما يوجب تنجز التكليف الواقعي الموجود في أحد الطرفين أو الأطراف وأما إذا ترتب تكليف آخر على مخالفة هذا التكليف الواقعي وعصيانه - كالكفارة المترتبة على حنث النذر وأخواته - فهل يوجب مخالفة الاحتياط في بعض الأطراف تنجز هذا التكليف المحتمل الآخر، أم لا؟
لا ينبغي الريب في أن مجرد عدم رعاية الاحتياط في بعض الأطراف - كما لو علم إجمالا بتعلق نذر بصوم يوم الخميس أو الجمعة، ثم صام الخميس وأفطر الجمعة - لا يوجب العلم بتحقق موضوع وجوب الكفارة مثلا، والأصل الموضوعي أو الحكمي يقتضي عدم وجوبها.
إن قلت: كما أنا نعلم إجمالا بتعلق التكليف وتحققه في أحد الطرفين كذلك نعلم بترتب ذاك التكليف الآخر - كوجوب الكفارة - على ارتكاب أحدهما أعني مخالفة التكليف الواقعي، فهذا العلم الإجمالي يقتضي تنجز ذاك التكليف الآخر، غاية الفرق بين العلمين: أن هذا العلم الثاني من قبيل العلم الإجمالي بالأمور التدريجية.
قلت: إن ذاك العلم الثاني ليس علما بتحقق التكليف الفعلي في موطنه، فإنه لا يقتضي تحقق حنث في أحد اليومين مثلا، وإنما يكون علما بالتكليف الفعلي لو كان المفروض أنه لا يصوم شيئا من اليومين مثلا وإلا فلا علم بالتكليف ولو في موطنه.
وبالجملة: شرط تحقق التكليف تحقق موضوعه، والموضوع هنا هو عصيان التكليف، وهو غير معلوم، ويترتب عليه أن أصل ذاك التكليف الآخر مجهول يجري في نفيه الأصل الموضوعي أو الحكمي.
فأصل هذا المطلب مما لا إشكال ولا كلام فيه.
إلا أنه قد وقع الكلام في خصوص بعض الموارد، وأنه من هذا القبيل أم لا؟
وهو ملاقي بعض الأطراف المعلوم إجمالا نجاستها.