كأن علم بوجود نار مماسة لخشبة وشك في أنها رطبة لكي تمنع الرطوبة احتراقها، ومعنى اعتبارها هو الحكم بترتب ذاك الأثر، والحكم في المثال بالاحتراق.
والفرق بين قاعدة المقتضي والمانع واعتبار الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع الذي ربما يكون هو المانع واضح، فإن الاستصحاب يحكم ببقاء ما فيه اقتضاء البقاء إذا شك في حدوث مانع له، ولا ربط له بوجود الأثر الذي لم يكن موجودا قبلا، بخلاف قاعدة المقتضي والمانع فإنها تحكم بحدوث الأثر مع إحراز المقتضي والشك في المانع.
الرابع: أن للاستصحاب تقسيمات مختلفة بلحاظ نفس المستصحب، والدليل المثبت له، ومنشأ الشك فيه، قد ذكرت في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) بغاية تعيين موارد الاختلاف، واستقصاء مختلف الأقوال، والحكم القطعي بجريان الاستصحاب في جميعها أو اختصاصه ببعضها موقوف على ملاحظة الدليل التام الدلالة على اعتباره، فهو موكول إلى التنبيهات. ومجرد عدم الخلاف، بل دعوى الإجماع أيضا لا قيمة له في مثل المسألة مما لاحتمال الاستناد إلى الأدلة المختلفة من حكم العقل والعقلاء وسيرتهم المستمرة - فضلا عن الأخبار - إليها سبيل.
إذا عرفت هذه الأمور فنقول:
إنه قد استدل لاعتبار الاستصحاب بوجوه:
الأول: أن عليه بناء العقلاء في أمور معاشهم ومعادهم، ولذا يراسلون من كان في البلاد الاخر ويرسلون إليه الأمتعة والنقود حتى مع الشك في بقائه، بل إن عليه فطرة كل ذي حياة وشعور، ولذلك يرجع الطيور والأنعام إلى وكرهم ومسكنهم ليلا ونهارا بعد ما خرجوا عنها، وهذا البناء العملي والسيرة العقلائية كانت مستمرة بحضرة المعصومين (عليهم السلام) ولم يردعوا عنها، فكانت حجة معتبرة على اعتبار الاستصحاب شرعا.