وقد مر ما يتعلق بذلك، فراجع.
الثاني: لا ينبغي الريب في حسن الاحتياط عقلا وشرعا، وذلك أن الأحكام في الشبهات مشتركة بين العالم والجاهل أما في الحكمية فلقيام الإجماع على الاشتراك، ودلالة مثل قوله: " هلا تعلمت " (1)، بل وقوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي... ما لا يعلمون " (2) على ثبوت الأحكام الواقعية حين الجهل، فهنا شئ لا تعلمه الأمة فحكم برفعه عن عاتقهم، وبعدم إلزامهم برعايته، وهو الذي يكلفون بتعلمه ويؤاخذون على ترك تعلمه. وأما في الشبهة الموضوعية فمثل قولهم (عليهم السلام): " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه " (3) كالصريح في أن ما كان حراما في الواقع فهو حرام عند الجهل وعدم عرفانه أيضا، وهكذا غيره من أدلة الأصول.
وبالجملة: فالأحكام الشرعية ثابتة كما هي عند الجهل بها أو بموضوعها، وقد عرفت أنها أحكام جعلت بمقام الإجراء، ويطلب من المكلفين العمل بها، غاية الأمر أن الجاهل معذور في مخالفتها، وعليه فالاحتياط عبارة عن رعاية القانون والتكليف الفعلي المحتمل، والعبد المحتاط هو من يراعي مطلوبات فعلية للمولى قد أذن لبعض المصالح في مخالفتها، فمن الضروري حينئذ حسنه، وأن للعبد معه ثواب الانقياد أو الطاعة.
والأدلة الشرعية التي أقاموها على وجوب الاحتياط قد عرفت دلالة كثير منها على حسنه، فتذكر.
وهذا - أي حسن الاحتياط - مما لا ريب فيه، إلا أنه قد يرتاب في جريانه في العبادات، باعتقاد أن صحة العبادة مشروطة بقصد التقرب، وهو لا يتأتى إلا إذا أحرز تعلق الأمر بالعمل، ومع الشك فيه لا يمكن قصد القربة.