فلا ترجيح لأحد الأصلين على الآخر. والفرق بينه وبين الأمارات: أن أدلة الأمارات لم يؤخذ في موضوعها الجهل والشك، بخلاف دليل الاستصحاب، وهو من هذه الجهة مثل أدلة الأصول الشرعية، كما لا يخفى.
وثانيا: أن النهي عن نقض اليقين بالشك ليس نهيا تكليفيا لكي تكون حرمته حرمة تكليفية، وهو واضح جدا، يشهد له: أن أدلة الاستصحاب جارية في باب المستحبات والمباحات، ولا يتوهم أحد وجوب الأخذ عملا أو اعتقادا باليقين السابق فيها، بل النهي عنه إرشاد إلى أن اليقين السابق محكوم بالبقاء في عالم الشرع ومحيط التعبد والقانون، ومجرى عليه تمام الأحكام المترتبة في الشرع على العلم واليقين، كما عرفت.
هذا كله في أصالة البراءة والحل.
وأما أصل الاشتغال فهو عقلي لا غير، ومن الواضح أن العقل لا يحكم بالاحتياط مع قيام أصل معتبر على البراءة من التكليف، فلو علم إجمالا بعروض النجاسة على أحد التفاحين اللذين كان الحالة السابقة في أحدهما اليقين بالطهارة وفي الآخر بالنجاسة، ويشك في بقائهما على ما كانا عليه، فاستصحاب الطهارة والنجاسة في كل منهما جار محكم، ومعه لا يحكم العقل بالاحتياط أصلا.
ومثله الكلام في أصالة التخيير.
وينبغي التنبه لنكتة هي: أن محل الكلام ما إذا لم يقم دليل خاص على وجوب الاحتياط، كما قد يقال به في أمر الأموال والدماء، وإلا فهذا الدليل يمنع عن جريان الاستصحاب، كما يمنع عن أصل البراءة، وفي الحقيقة هذا الدليل الخاص يكون مخصصا لأدلتهما، كما لا يخفى.
المقام الثاني: في تعارض الاستصحابين.
فتارة يكون الشك في البقاء في أحدهما ناشئا عن الشك في مستصحب الآخر. وأخرى لا يكون بينهما هذه السببية.