هو بناء المولى على عدم رفع اليد عن التكاليف المجهولة، فإذا كان المفروض أن لفظ " الشبهة " أو " الشبهات " الواقع في الكبرى المذكورة له إطلاق أو عموم يعم كل شبهة حكمية، وحمل عليها أن ارتكابها يوجب الوقوع في العقاب والهلاكة يعلم منه ولو بالدلالة الالتزامية أنه لم يغض العين عن التكاليف المجهولة، وإلا لما كان مجال لاستلزام ارتكاب مطلق الشبهة الوقوع في العقاب والهلكة، فمجرد الإرشادية لا ينفع شيئا إذا كان الفرض إطلاق أو عموم لفظ الشبهة.
وأما ما يقال: من أن إرادة الإطلاق والعموم منها مستلزمة للدور ففيه: أن إرادتهما لا تتوقف على أزيد من ظهورهما في اللغة والعرف في الإطلاق والعموم، وإذا كان المتكلم بصدد البيان ولم يكن قرينة على الخصوصية ينعقد لهما ظهور فيهما، وحجية الظهور وأصالة الظهور تكون دليلا على إرادتهما جدا، ولا بأس بها بعد ما عرفت من عدم توقف تنجيز التكليف المجهول على خصوص إنشاء أمر مولوي.
وبالجملة: فنحن نعترف بإرشادية الأمر بالتوقف، إلا أن مجردها غير كاف في دفع الإطلاق والعموم.
هذا كله حول القسم الأول من أخبار التوقف.
القسم الثاني: ما دل على الأمر بالتوقف في الشبهة أو بالرد إلى أهل الذكر (عليهم السلام) بلا تضمن للكبرى المذكورة، وهي كثيرة يجمعها - إلا ما شذ - صنفان:
صنف حكم بلزوم التوقف والرد إلى الله والرسول، كما في ما قبل ذيل مقبولة عمر بن حنظلة الذي قد مر عن قريب. ومثلها خبر أحمد بن الحسن الميثمي، عن الرضا (1) (عليه السلام). ومرسل عبد الله بن بكير، عن رجل، عن أبي جعفر (2) (عليه السلام). وخبر جابر، عنه (عليه السلام) أيضا (3) ومعتبر حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله (4) (عليه السلام). بل ومعتبر زرارة، عن أبي عبد الله (5) (عليه السلام) وخبر عبد الله بن جندب (6).