الفصل الثاني حول قول اللغوي لا ريب في حجية التبادر لتشخيص المعنى الظاهر للألفاظ، سواء كان مستندا إلى حاق اللفظ أو إلى القرينة، فإنه سبب يوجب العلم بالظهور، وقد عرفت أن الظاهر حجة، سواء أكان معنى حقيقيا أم لا.
وأما قول اللغويين فالظاهر عدم حجية مجرد قولهم، فإن غاية الأمر أنهم أهل خبرة بموارد الإطلاق، ولا نسلم كونهم أهل خبرة بالمفاهيم المستعملة فيها الألفاظ، فضلا عن كونهم أهل خبرة بحقائق الألفاظ ومجازاتها، فأنت تراهم يفسرون التبحر في العلم - مثلا - بالتعمق والتوسع فيه، مع أنه لا يبعد دعوى أن معناه المستعمل فيه هنا هو صيرورة الشخص بحرا، كما يفسرون " برز الرجل " بقولهم: " كان عفيفا موثوقا بعقله ورأيه " مع أنه لا يبعد أن يكون أصل معناه المستعمل فيه صيرورته بارزا ظاهرا تراه الأعين في أول نظرة، وهكذا...
إلا أنه مع ذلك كله فلا ريب في أن كلمات اللغويين تعين على فهم معاني الألفاظ وحصول العلم بظواهرها، كما لا يخفى على المتفطن.
وقد يقرر الاستدلال بأن اللغوي عالم باللغة، وبناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم.
أقول: والحق أن هذا البناء من العقلاء وإن امضى شرعا، بمثل قوله تعالى:
" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وبأدلة أخرى، إلا أن اللغوي - كما عرفت - ليس عالما بأصل المعنى.