اليقيني يستدعي براءة يقينية، فإن تعلق التكليف بالمركب يقيني، والبراءة عنه مشكوكة، لاحتمال أن يكون الأمر المشكوك المتروك أيضا جزء للمركب الارتباطي!
قلت: إن ما هو المسلم من القاعدة أن اليقين باشتغال الذمة بشئ يقتضي اليقين بفراغها عنه، وفي ما نحن فيه لم يتيقن إلا بتعلق التكليف بالأجزاء المعلومة، وقد تيقن بإتيان جميع ما تيقن تعلق التكليف به، وإن كان شك فإنما هو من ناحية غيرها، والمفروض أن أصل الاشتغال به مشكوك.
هذا كله في البحث عن البراءة العقلية.
وأما البراءة النقلية فقد تبين مما مر التقريب الصحيح لجريانها، فإن تعلق الوجوب الشخصي المستقل بمجهول الجزئية غير معلوم، فوجوبه مما لا يعلمون، فهو مرفوع عن المكلف.
وأما تقريبها بأن وجوب الأقل معلوم إما نفسيا أو غيريا، ووجوب الأكثر نفسيا، أو وجوب الزائد غيريا غير معلوم، فهو مرفوع - كما عن الشيخ الأعظم (قدس سره) - ففيه ما عرفت من أن الوجوب المقدمي شرعا ولا سيما في أجزاء المركب مما لا أساس له، فلا يمكن الاعتماد عليه في الانحلال، ولا إجراء حديث الرفع ونحوه فيه.
كما أن تقريبها بما في الكفاية والتعليقة من أن جزئية الزائد غير معلومة فهي مرفوعة عن المكلف فيه: أن الجزئية والكلية كالشرطية والمشروطية، والسببية والمعلولية من الأمور الانتزاعية الحقيقية، بداهة أن الجزئية ليست إلا كون الشئ مما يلتئم منه ومن غيره المركب الذي يعبر عنه بالكل، ولا فرق في انتزاعها بين أن يكون المركب حقيقيا - كما في الإنسان وأعضائه - أو اعتباريا - كما في البيت وأجزائه، والصلاة وأجزائها - فإن الجزئية في جميع الموارد لها مفهوم واحد من الأمور الانتزاعية النسبية، ولا دخل لتعلق التكليف بالمركب في انتزاعها أصلا، وإنما الذي يوجب تعلق التكليف اتصاف المركب بالمطلوبية، ولا محالة يصير