5 - فصل هل يقتصر على المرجحات المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها؟
إن الشيخ الأعظم (قدس سره) قوى جانب عدم الاقتصار، واستدل عليه بوجهين:
أحدهما: أن التأمل في أخبار التخيير يعطي اختصاصها بما لم يكن مع أحد الخبرين مزية توجب الظن بمطابقته للواقع أو قربه من الواقع، فمع هذه المزية - وإن لم تكن منصوصة - فالمتيقن حجية ذي المزية، والأصل عدم إعتبار غيره.
أقول أولا: قد عرفت عدم نهوض دليل معتبر على التخيير، فمع عدم مزية منصوصة ليس الأخذ بذي المزية أيضا متيقنا، والأصل عدم اعتبار شئ من المتعارضين.
وثانيا: لو سلمنا دلالة الأخبار على التخيير، واعتبار سند الدال منها لكان الإنصاف أنها مطلقة من حيث وجود مزية في أحدهما وعدمه، فهل الموضوع للتخيير المذكور في قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) - على ما في خبر ابن الجهم -:
" فموسع عليك بأيهما أخذت " إلا " أن يجئ الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيهما الحق " وهو صادق مع وجود المزية مع أحدهما وعدمه، وهكذا غيره من الأخبار المدعى دلالتها على التخيير، فراجع.
الوجه الثاني: أن الأخبار المتضمنة للمرجحات المنصوصة مشتملة على قرائن تقتضي التعدي عنها إلى كل مزية، فإن الأصدقية أو الأوثقية - في المقبولة والمرفوعة - إنما اعتبرت عرفا لكونها موجبة لاحتمال صدق خبر الأصدق والأوثق أكثر من خبر الآخر، فليسري إلى الأضبطية بل والى النقل باللفظ في قبال النقل بالمعنى، وهكذا، كما أن الشهرة المتأخرة عن الأصدقية والمفروضة في كلا الخبرين إنما توجب قلة الريب في المشهور قبال الشاذ، فيرجع التعليل إلى أن وجوب الأخذ بالمشهور إنما هو لأجل أنه ليس فيه ريب يكون هذا الريب في الشاذ، فإن الشذوذ يوجب فيه ريبا لا يجئ قهرا في المشهور، وهكذا الموافقة للعامة توجب ريب التقية في الموافق لهم، وهذا الريب منفي عن المخالف. ويرجع