ومن هذه الآيات: قوله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * (1)، ببيان: أن الآية المباركة تضمنت بقرينة ترتب اللعن الشديد حرمة كتمان الهدى والبينات، ومن مصاديق الهدى هي أحكام الله تعالى، فإذا حرم كتمانها وجب إظهارها ولو للخروج عن ارتكاب الحرام، ولازمه وجوب القبول، وإلا لكان لغوا.
والإنصاف عدم تمامية الاستدلال بها، لما فيه:
أولا: من أن مفهوم الكتمان هو الإخفاء، والمناسب استعماله في مورد يظهر المكتوم بنفسه للناس لولا كتمانه، فهم لو كانوا يبينون للناس فلعل هذه البينات والهدى كانت بحيث تظهر للناس ظهورا قطعيا، ولعل هذه البينات كانت مكتوبة في الكتب السماوية وهم يكتمونها بإخفاء الكتب، وعدم إظهارها بمرئى الناس، فإذا رفعوا اليد عن إخفائها تظهر للناس ظهورا قطعيا.
وثانيا: لما عرفت ذيل آية النبأ من احتمال وجود مانع عن إيجاب القبول تعبدا فيوجب البيان ويحرم الكتمان لكي يحصل للناس العلم القطعي فيتبعون علمهم، مضافا إلى عدم كونها في مقام بيان أزيد من حرمة الكتمان ووجوب التبيان عليهم. وأما ترتيب الأثر من ناحية الناس فليست في مقام بيانه، وهو لا محالة تابع لحصول موضوعه، ولعله منوط بحصول العلم القطعي.
ومنها: قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر...) * (2). وقريب منها في سورة الأنبياء [الآية: 7] بلا ذكر لقوله: * (بالبينات والزبر) *.
وتقريب الاستدلال بها أيضا بوجهين:
أحدهما ما هو الحق: من أن الآية المباركة إرجاع وإرشاد إلى طريقة معروفة عقلائية: هي رجوع الجاهل بالشئ إلى العالم به، والسؤال عنه، والعمل بما يقوله،