شرح دليل المحكوم، ومجرد إيجاب العمل بالطريق لا يستلزم كون دليله شارحا لأدلة الاستصحاب، وعمدة الدليل على اعتبار الأمارات المعروفة - كخبر الواحد أو الظواهر - هو سيرة العقلاء، وهم إنما يعملون بها بما أنه طريق إلى الواقع في عرض العلم به، من دون أن يكون في ارتكازهم أنها علم ادعائي، حتى يقال: إن إمضاءها بمثل آية النبأ يؤل إلى أن الشارع قد جعلها علما ادعائيا، فيكون دليل اعتبارها حاكما على مثل دليل اعتبار الاستصحاب، وبالجملة فلا وجه للحكومة.
وقال المحقق الخراساني (قدس سره): بأن وجه هذا التقدم إنما هو الورود، وبينه في تعليقة الفرائد: بأن المنهي إنما هو نقض اليقين بالشك، ولا يعم نقضيه بالدليل المعتبر، فنحن إذ يكون لنا عموم دليل الاعتبار نأخذ به، ويثبت به اعتبار ذاك الطريق فنعمل بالطريق المعتبر، فيكون نقض اليقين به ولا محذور.
لكنه يرد عليه: أن تذييل الحديث في غير واحد من الأخبار بمثل قولهم (عليهم السلام): " ولكن ينقضه بيقين آخر " يدل على أنه لا ينقض اليقين إلا باليقين، ومن المعلوم أن الطريق المعتبر لا يوجب اليقين.
وهو (قدس سره) قد تنبه لهذا الإيراد، وأجاب عنه: بأن قيام الطريق يوجب إنشاء أحكام مماثلة لما أدى إليه، فالحكم الواقعي الأولي وإن كان مشكوكا إلا أن الحكم الظاهري المتعلق به بما أنه قام عليه الطريق معلوم متيقن وكما أن العلم بالحكم المتعلق بالعنوان الأولي يوجب خروج المورد عن عموم النهي عن النقض حقيقة، فهكذا العلم بالحكم المتعلق بالعنوان الثانوي.
أقول: هذا الذي أفاده - مضافا إلى أنه خلاف مختار نفسه في باب الطرق، فإنه اختار أن المجعول فيها مجرد الحجية وأنه لا حكم في موردها إلا الحكم الواقعي - لو كان - وإنما يتنجز بها، كما أنها عذر إذا خالفت الواقع - خلاف التحقيق أيضا، وذلك أن الحق أن لا حكم ظاهري في مورد الطرق، وإنما شأن الطريق مجرد أنه طريق إلى الواقع يحرز به الواقع ويصاب، ولذلك يجوز إسناد مؤداه إلى الشارع بأنه مما حكم به الشرع، لكنه لو خالف الواقع لم يكن في البين