وإنما قيدناها بهذا القيد إخراجا لما كانت الملازمة فيه قائمة بينهما حدوثا وبقاء، إذ اللازم إذ ذاك يكون بنفسه متعلقا لليقين والشك فيجري فيه الاستصحاب بلا حاجة إلى الالتزام بالأصل المثبت، وحجيته موضع اتفاق.
ومثاله ما لو علمنا بوجود الكر في البيت ولم نشخص موضعه وشككنا في ارتفاعه، فمقتضى الاستصحاب هو بقاء الكر، ثم فحصنا بعد ذلك فوجدنا كمية من الماء نحتمل انها هي الكر ولم نجد غيرها، فبمقتضى الملازمة العادية ان الكر المستصحب هو هذا الماء إلا أن تطبيق الكر المستصحب على الموجود خارجا ليس مما يقتضيه حكم الشارع، وإنما اقتضته الملازمة العادية أو العقلية - بحكم عدم عثورنا على غيره - فتطبيق أحكام الكر على هذا الماء إنما هو بالأصل المثبت، أي بتوسط تطبيق الكر عليه الذي اقتضته الواسطة غير الشرعية، ومن المعلوم هنا ان هذا الماء الذي يراد إثبات الكرية له غير معلوم الكرية سابقا، وإنما المعلوم هو وجود الكر في البيت، وليست الملازمة بينه وبين الكرية إلا من حيث البقاء، إذ لازم بقاء الكر في البيت هو ثبوت الكرية للموجود.
وقد اختلفوا في حجيته، فالذي عليه الكثير من قدامى الأصوليين هو ثبوت الحجية له بادعاء تناول أدلة الاستصحاب لمثله.
والذي عليه محققو المتأخرين عدم الحجية لوضوح افتقاده لبعض الأركان التي انتزعناها من أدلة الحجية - فيما مضى - وهو وجود اليقين السابق والشك اللاحق، ومن البين هنا انه لا يقين بكرية هذا الموجود سابقا لتستصحب، وإنما اليقين بوجود الكر. ومع فقد اليقين السابق لا مجال لترتيب آثار الاستصحاب لفقده ركنا من أركانه وهو اليقين.
وتقريب آخر لعدم الحجية ان الذي استفدناه من أدلة الاستصحاب