وجواب الغزالي هذا، مبني على أن الجعل الشرعي متحد الرتبة مع خطاب الشارع، أو انه مجعول بالخطاب، أما إذا قلنا إن الخطاب مبرز للجعل الشرعي، والجعل في مقام الثبوت سابق رتبة وزمانا عليه، كما هو مذهب الكثير، فإن جوابه لا يتم.
والجواب على هذا المبنى: أن احكام الشارع لما كانت وليدة مصالح ومفاسد في المتعلقات غالبا - وهو ما تكاد تتفق عليه كلمة المسلمين على اختلاف في المبنى - ولما كانت المتعلقات مختلفه: من حيث التوفر على المصالح والمفاسد فأحكامها حتما مختلفة، فالقول بجعل الإباحة لها بقول مطلق، لا يستند على أساس.
وإن أريد بها الحكم الظاهري، أي ان الأشياء محكومة بالإباحة ظاهرا عند الشك في حكمها الواقعي، فهي وإن كانت صحيحة.
لقول أبي عبد الله (عليه السلام) كما في موثقة مسعدة بن صدقة، قال:
سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، ولعله سرقة أو المملوك يكون عندك، ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك ولعلها أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة (1))، بناء على عموم الاستدلال بها للشبهات الحكمية.
أو لغيرها من الأدلة وربما دل عليها كل ما يدل على البراءة الشرعية.
ولكن بناء هذه القاعدة على الاستصحاب لا معنى له، لتوفر أدلتها الاجتهادية، بالإضافة إلى عدم انطباقها عليه لفقدها ركنا من أركان الاستصحاب، وهو اليقين السابق بالإباحة، إذ لم يفرض فيها ليستصحب.