عن الاستصحابات في جل تصرفاته حتى مع الشك باستمرار الحالة السابقة وعدم الغفلة عنها، وما هذه المواضع إلا من صغريات القاعدة.
لكن دعوى الأستاذ خلاف بأن ما فطر عليه الناس وجرى به عرفهم انهم إذا تحققوا من وجود أمر غلب على ظنهم بقاؤه... الخ. لا يخلو من مسامحة فان الذي جرى عليه الناس هو ترتيب الأثر على الحالة السابقة حتى مع الظن بالخلاف أحيانا، كما هو الشأن في الأمثلة التي مرت علينا الآن.
والذي يبدوا لي ان الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامة التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها، وستبقى - ما دامت المجتمعات - ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها، ولو قدر للمجتمعات ان ترفع يدها عن الاستصحاب لما استقام نظامها بحال، فالشخص الذي يسافر مثلا ويترك بلده وأهله وكل ما يتصل به - لو ترك للشكوك سبيلها إليه -، وما أكثرها لدى المسافرين، ولم يدفعها بالاستصحاب - لما أمكن له ان يسافر عن بلده، بل إن يترك عتبات بيته أصلا، ولشلت حركتهم الاجتماعية وفسد نظام حياتهم فيها، فقول شيخنا النائيني: (ان عملهم على طبق الحالة السابقة إنما هو بإلهام إلهي حفظا للنظام (1)) لا يخلو من أصالة وعمق نظر، ومناقشته بأن منكري حجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعد، ولو كان حفظ النظام يقتضي ذلك لاختل على المنكرين تحتاج إلى تأمل، فالمنكرون لحجية الاستصحاب عندما أنكروها لم يتخلوا في واقع حياتهم عن الجري على وفق الاستصحاب وإن تخلوا عنه في الشرعيات.
وكونه ظاهرة اجتماعية يصدر عنها الناس في مجتمعاتهم حتى مع الشك