فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٤٠٣
وأنت خبير بما فيه، فان الأمر بالعمل، إما أن يكون بنفسه عباديا - أي كان الغرض من الأمر التعبد والتقرب به - كالأمر المتعلق بالصلاة، وإما أن يكتسب العبادية من أمر آخر لأجل اتحاد متعلقهما، كوجوب الوفاء بالنذر (1) فان الأمر بالوفاء بالنذر بنفسه لم يكن عباديا، بل هو كسائر الأوامر التوصلية لا يعتبر في سقوطه قصد الامتثال والتقرب، ولكن لو تعلق النذر بما يكون عبادة - كنذر صلاة الليل - يكتسب الأمر بالوفاء بالنذر العبادية من الأمر بصلاة الليل، كما أن الأمر بصلاة الليل يكتسب الوجوب من الأمر بالوفاء، والسر في ذلك: هو أن النذر إنما يتعلق بذات صلاة الليل لا بها بما أنها مستحبة بحيث يؤخذ استحبابها قيدا في متعلق النذر، وإلا كان النذر باطلا لعدم القدرة على وفائه، فان صلاة الليل بالنذر تصير واجبة، فلا يمكن بعد النذر فعل صلاة الليل بقيد كونها مستحبة، فلابد وان يتعلق النذر بذات صلاة الليل، والأمر الاستحبابي الذي تعلق بها أيضا قد تعلق بذات صلاة الليل لا بوصف كونها مستحبة، فان هذا الوصف إنما جاء من قبل الأمر بها فلا يمكن أخذه في متعلق

(1) أقول: بعد ما كان رجحان متعلق النذر شرط صحة النذر، فقهرا هذا الرجحان ملحوظ في متعلقه، ولا يعقل تجريد المتعلق عن هذا الرجحان، كيف! ولازم التجريد عدم دخل الرجحان في الصحة، فإذا كان كذلك فيستحيل اتحاد الأمر الناشئ من قبل النذر مع هذا الرجحان الذي هو شرط الصحة، فإذا لم يتحدا، فلا محيص من اعتبار الذات في الرتبتين فرارا عن لزوم اجتماع الضدين، وحينئذ فلا قصور في إبقاء الذات الملحوظ متعلقا للنذر وموضوعا له على استحبابه، مع كون الذات الملحوظ في مرتبة الوفاء بالنذر الملحوظ في المرتبة اللاحقة متصفا بالوجوب، نظير اتصاف الذات في المرتبة السابقة عن اعتقاد العصيان على ما هو عليه من الحكم الواقعي مع اتصاف الذات في رتبة اعتقاد العصيان - المسمى بالتجري - بالمبغوضية، بلا تضاد بينهما، كما لا يخفى.
وحينئذ لا يبقى مجال لما أفيد: من اكتساب الأمر بالوفاء بالنذر العبادية عن الأمر بالذات، إذ هذا الاكتساب فرع التأكد واتحاد أحدهما مع الآخر، وهذا المعنى في مثل المقام من طولية الحكمين مستحيل، إذ الطولية موجبة لتخلل الفاء بينهما، ومع هذا التخلل يأبى العقل عن الحكم بالاتحاد والتأكد بينهما، كما لا يخفى.
وحينئذ ربما يكون باب النذر من تلك الجهة كباب إجارة العبادات. نعم: لو لم نقل بشرطية رجحان المتعلق في النذر كان لما أفيد وجه، ولكنه ظاهرا خلاف الإجماع، إلا في بعض الموارد على ما حقق في محله، فراجع كلماتهم وتدبر فيها.
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»
الفهرست