الآثار التي ذكروا في ذلك فوجدنا خبر الحسن مرسلا ولا حجة في مرسل ولو صح لما كان لهم فيه متعلق أصلا لأنه إنما فيه حد الساحر ضربة بالسيف وليس فيه قتله والضربة قد تخطئ فتجرح فقط وقد تقتل فهم قد خالفوا هذا الخبر وأوجبوا قتله ولا بد، وأما خبر جندب ففي غاية السقوط أول ذلك أنه مرسل لا يدرى ممن سمعه أبو العلاء فلم يبق الا الآية فوجب النظر فيها ففعلنا بعون الله تعالى وابتدأنا بأولها من قوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) وقولهم يعلمون بدل من كفروا فنظرنا في ذلك فوجدناه ليس كما ظنوا وأن قولهم هذا دعوى بلا برهان بل القول الظاهر هو أن الكلام تم عند قوله تعالى: (كفروا) وكملت القصة وقامت بنفسها صحيحة تامة (ولكن الشياطين كفروا) ثم ابتدأ تعالى قصة أخرى مبتدأة وهو قوله تعالى: (يعلمون الناس السحر) فيعلمون ابتداء كلام لا بدل ثم لو صح أن يعلمون بدل من كفروا ولم يحتمل غير ذلك أصلا لما كان لهم فيه حجة البتة لان ذلك خبر من الله تعالى عن أن ذلك كان حكم الشياطين بعد أيام سليمان عليه السلام وذلك شريعة لا تلزمنا وحكم الله تعالى في الشياطين حكم خارج من حكمنا وكل حكم لم يكن في شريعتنا فلا يلزمنا بل قد صح أن حكم الجن اليوم في شريعتنا غير حكمنا كما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لهم الروث والعظام طعاما والروث حرام عندنا وحلال لهم فكيف وإذا احتمل ظاهر الآية معنيين فلا يجوز حملها على أحدهما دون الآخر الا ببرهان وقد بينا أن كلا الوجهين لا حجة لهم فيه أصلا، وأيضا فان نص قولهم إن الشياطين كفروا بتعليم الناس السحر وهم يزعمون أن الملكين يعلمان الناس السحر ولا يكفر الملكان عندهم بذلك فقد أقروا باختلاف حكم تعليم السحر وأنه يكون كفرا ولا يكون كفرا بذلك فإذ قد قالوا ذلك فمن أين لهم أن حكم الساحر من الناس الكفر قياسا على الشياطين دون أن لا يكون كفرا قياسا على الملكين؟ فكيف والقياس كله باطل فصح أنه لا حجة لهم في تكفير الساحر من الناس بأن الشياطين يكفرون بتعليمه هذا لو صح لهم أن كفر الشياطين لم يكن الا بتعليمهم الناس السحر خاصة وهذا لا يصح لهم أبدا بل قد كفروا قبل ذلك فكان تعليمهم الناس السحر ضلالا زائدا ومعصية حادثة أخرى وهذا هو مقتضى ظاهر الآية الذي لا يجوز أن يحال عنه البتة الا بالدعوى العارية من البرهان وبالله تعالى التوفيق، ثم صرنا إلى قول الله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) فوجدناهم لا حجة لهم فيه أصلا بوجه من الوجوه لأنه إنما في هذا الكلام النهي عن الكفر جملة ولم يقولا فلا تكفر بتعلمك السحر ولا بعلمك السحر هذا ما لا يفهم من الآية أصلا، وهكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا
(٣٩٨)