يقولون إن الردع يكون بصلبه حيا قولا أيضا خارجا عن أصولهم إلا أنه ليس في شئ من ذلك كله إيجاب قتله بعد الصلب كما قالوا ولا إباحة ذلك أيضا وإنما في كل ما قالوه إيجاب الصلب فقط فأقحموا فيه القتل بعد الصلب جريا على عادتهم في التلبيس والزيادة بالدعاوي الكاذبة على النصوص ما ليس فيها فبطل قولهم أيضا لما ذكرنا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما بطل القولان مما وجب الرد إلى القرآن والسنة كما افترض الله تعالى علينا بقوله عز وجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية كلها فصح يقينا أن الله تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الأحكام ولا أباح أن يجمع عليهم خزيان من هذه الاخزاء في الدنيا وإنما أوجب على المحارب أحدها لا كلها. ولا اثنين منها.
ولا ثلاثة فصح بهذا يقينا لا شك فيه أنه ان قتل فقد حرم صلبه وقطعه ونفيه وانه إن قطع فقد حرم قتله وصلبه ونفيه وانه ان نفي فقد حرم قتله وصلبه وقطعه، وانه ان صلب فقد حرم قتله وقطعه ونفيه لا يجوز البتة غير هذا فحرم بنص القرآن صلبه ان قتل وحرم أيضا بنص القرآن قتله ان صلب، وحرم هذا الوجه أيضا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا " من أن أعف الناس قتلة أهل الايمان " " وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " و " لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك فلما حرم قتله مصلوبا بيقين لما ذكرنا من وجوب اللعنة على من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الامرين معا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلب لا قتل معه ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به ولكان كلاما عاريا من الفائدة أصلا وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا ولكان أيضا تكليفا لما لا يطاق وهذا باطل فصح يقينا أن الواجب أن يخير الامام صلبه ان صلبه حيا ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله لان الصلب في كلام العرب يقع على معنيين أحدهما من الأيدي والربط على الخشبة قال الله تعالى حاكيا عن فرعون (ولأصلبنكم في جذوع النخل) والوجه الآخر التيبيس قال الشاعر: يصف فلاة مضلة * بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب يريد أن جلدها يابس، وقال الآخر:
جذيمة ناهض في رأس نيق * ترى لعظام ما جمعت صليبا يريد ودكا سائلا * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب جمع الامرين معا حتى إذا أنفذنا أمر الله تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم من الغسل. والتكفين.