من قال يقتل ثم يصلب مقتولا يحتجون بما ذكرناه قبل في كتاب الدماء من ديواننا كيف يكون القود من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ومن قوله عليه السلام: " أعف الناس قتلة أهل الايمان "، ومن نهيه عليه السلام أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ولعنه عليه السلام من فعل ذلك، وقد ذكرنا هذه الأحاديث هنالك بأسانيدها فأغنى عن اعادتها، وقالوا طعنه على الخشبة ليس قتلة حسنة ولا عفيفة، وهو اتخاذ الروح غرضا فهذا لا يحل ونظرنا فيما احتج به من رأى قتله مصلوبا فوجدناهم يقولون. ان الله تعالى إنما أمرنا بالقتل عقوبة وخزيا للمحارب في الدنيا فإذ ذلك كذلك فالعقوبة والخزي لا يقعان على ميت وإنما خزي الميت في الآخرة لا في الدنيا فلما كان ذلك كذلك بطل أن يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم الأولون بأن قالوا: يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم هؤلاء بأن قالوا ليس ردعا وإنما هو عقوبة للفاعل وخزي بنص القرآن وفي صلبه ثم قتله أعظم الردع أيضا * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما احتجب به الطائفتان معا والتي احتجت به كلتا الطائفتين حق الا أنه أنتجوا منه ما لا توجبه القضايا الصحاح التي ذكروا فمالوا عن شوارع الحق إلى زوائغ التلبيس والخطأ * قال أبو محمد رحمه الله: وذلك على ما نبين إن شاء الله تعالى فنقول: ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد: " ان أعف الناس قتلة أهل الايمان "، " وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة "، " ولعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك فهو كله حق كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو كله مانع من أن يقتل بعد الصلب برمح أو برمي سهام. أو بغير ذلك كما ذكرنا وإنما في هذه الأحاديث وجوب الفرض في احسان قتله ان اختار الامام قتله فقط وليس في شئ من هذه الأخبار وجوب صلبه بعد القتل ولا إباحة صلبه بعد القتل البتة لا بنص ولا بإشارة، فاما احسان القتل فحق، وأما صلبه بعد القتل فدعوى فاسدة ليس في شئ من الآثار التي ذكروا ولا غيرها فبطل بيقين لا شك فيه احتجاجهم بهذه الاخبار في النكتة التي عليها تكلموا وهي الصلب بعد القتل أو قبله وسقط قولهم إذ تعرى من البرهان * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية الموجبة قتله بعد الصلب فوجدناهم يقولون إن الصلب عقوبة وخزي في الدنيا كما قال الله تعالى وأن الميت لا يخزي في الدنيا بعد موته ولا يعاقب بعد موته قولا صحيحا لا شك فيه، ووجدناهم
(٣١٦)