النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف.
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به، ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك، ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، وللجسيم موقعا لا يسغنون عنه.
وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية، وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الأمور وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم.
فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذووا البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله. ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. " (1) أقول: وللماوردي في بيان حقوق الجيش على أميرهم عند تسييرهم إلى جبهات القتال كلام نذكر ملخصه تتميما للفائدة. قال في الأحكام السلطانية:
" وعليه في السير بهم سبعة حقوق: أحدها: الرفق بهم في السير الذي يقدر عليه أضعفهم وتحفظ به قوة أقواهم، ولا يجد السير فيهلك الضعيف ويستفرغ جلد القوى وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وشر السير الحقحقة. " وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " المضعف أمير الرفقة. " يريد أن من ضعفت دابته كان على القوم أن يسيروا بسيره.
والثاني: أن يتفقد خيلهم التي يجاهدون عليها وظهورهم التي يمتطونها...
والثالث: أن يراعى من معه من المقاتلة، وهم صنفان: مسترزقة، و متطوعة...