شؤون الحاكم بحسب ما يراه من احتياجات الناس في عصره ومجال حكمه.
والمناسب للشريعة السمحة السهلة المشرعة لجميع الأعصار والظروف أن يشرع فيها الكليات القابلة للانطباق في كل عصر ومكان، ويفوض تعيين الموضوعات الجزئية لها إلى الحكام والولاة.
نظير ما احتملناه في باب الزكاة من أن المشرع في الكتاب الكريم كان أصل وجوب الزكاة وأخذ الصدقات من أموال الناس، وتعيين الموضوع لها فوض إلى الولاة و الحكام على حسب تشخيصهم للثروات العمومية. وتعيين الموضوعات التسعة من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حكما ولائيا صدر عنه بما أنه كان واليا على المسلمين في عصره وكان عمدة ثروة العرب الموضوعات التسعة، كما ربما يشعر بذلك بعض التعبيرات الواردة في الروايات كقوله (عليه السلام): " وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكاة على تسعة أشياء وعفا عما سوى ذلك. " (1) وبالجملة، تعيين موضوعات الحكرة من شؤون الوالي في كل عصر. وتعيينها في الأخبار الحاصرة كان من هذا القبيل فلا يعم جميع الأعصار، فتدبر.
ومما يشهد لكون أمر الحكرة والنهي عنها من شؤون الولاة والحكام أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) مالكا ورفاعة بالنهي عن الحكرة ومعاقبة من تخلف، بل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإخراج والبيع في خبر حذيفة، فتدبر.
فإن قلت: قد مر منكم أن الاحكام الولائية الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة - عليهم السلام - أيضا مثل الأحكام الإلهية تعم جميع المسلمين إلى يوم القيامة.
قلت: نعم ولكن إذا لم تكن قرينة على الاختصاص. فمنعه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاحتكار يعم جميع الأعصار، كنفيه الضرر والضرار. وأما حصر الحكرة في الأشياء الخاصة فيفهم من الدقة في ملاك الحكم كونه مختصا بعصر خاص، فتدبر.