" كل ماله عقوبة مقدرة يسمى حدا، وما ليس كذلك يسمى تعزيرا. " (1) وقد مر وجود التسامح في التعريفين، حيث إن الحد والتعزير اسمان لنفس العقوبة لا لموضوعها. كما مر الإشكال فيهما طردا وعكسا في الجهة الثانية عشرة من بحث التعزيرات.
وقد أشرنا في الجهة الأولى من جهات البحث هنا أن في حرية الشخص وإطلاقه منافع وبركات لنفسه ولمن تعلق به من ولده ووالديه وعائلته وأقاربه بل للمجتمع أيضا بحسب شغله وعواطفه وآثاره الوجودية، وربما يترتب على حريته أضرار وخسارات وتضييع لحقوق الأشخاص والمجتمع أيضا.
فإن وقع حبسه بداعي المنع عن انتفاعه بالحرية وإطلاق التصرفات تأديبا له وتنبيها له ولغيره كان الحبس مصداقا للعقوبة حدا أو تعزيرا. وإن كان بداعي الردع عن ورود الخسارة والضرر من قبله على الأفراد والمجتمع ولو بسبب فراره لو لم يحبس لم يكن حبسه حينئذ بداعي التأديب والعقوبة حدا أو تعزيرا، بل بداعي عدم الفرار أو بداعي دفع شره وضرره عن الغير ليحفظ مال الغير أو نفسه أو عرضه في قبال ظلمه وتعديه أو فراره فقط. ولو سلم صدق التأديب والعقوبة حينئذ أيضا فلا إشكال في عدم صدقهما في حبس المتهم الذي لم يعلم بعد كونه مجرما أم لا.
إذا عرفت هذا فنقول: يظهر مما ذكر أن الحبس في الإسلام قد يقع حدا. مثل ما يقع بدل النفي من الأرض في حد المحاربة على احتمال، ومثل تخليد السارق الذي قطعت يده ورجله في السجن، إذ الظاهر كونه من قبيل القطع الذي هو حد قطعا.
وقد يقع تعزيرا. مثل ما يقع من قبل الحكام في موارد التعزير بدل الضرب أو بضميمته بناء على جواز ذلك، كما هو الأقوى. وقد مر تفصيله ويأتي الأخبار الواردة في موارد الجمع بين الجلد والحبس في الجهة التالية.
وقد لا يكون الحبس حدا ولا تعزيرا. كحبس المتهم للكشف أو الانكشاف