فوضعهم في السجون هو تعطيل لقدرتهم على العمل وتضييع لمجهود كبير كان من الممكن أن يبذلوه فيستفيد منه المجتمع لو عوقبوا بعقوبة أخرى غير الحبس تكفي لتأديبهم وردع غيرهم.
ولا شك أن هناك من العقوبات ما يمكن أن يؤدي وظيفة الزجر والردع ويكون له أثره في محاربة الجريمة دون أن يؤدي إلى تعطيل مجهود المحكوم عليه كالجلد مثلا... و لقد حاولت مصلحة السجون أن تستغل قدرة المسجونين على العمل، ولكنها لم تستطع حتى الآن أن توجد عملا إلا لعدد قليل من المسجونين، أما الباقون فيكادون يقضون حياتهم في السجون دون عمل، يأكلون ويتطببون ويلبسون على حساب الحكومة...
2 - إفساد المسجونين: وكان من الممكن أن تتحمل الجماعة هذه الخسارة الكبيرة سنويا لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصلاح المسجونين، ولكنها في الواقع تؤدي بالصالح إلى الفساد، وتزيد الفساد فسادا على فساده.
فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه، وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام، وبين المجرم العادي. كما يضم السجن أشخاصا ليسوا بمجرمين حقيقيين، وإنما جعلهم القانون مجرمين اعتبارا كالمحكوم عليهم في حمل الأسلحة، أو لعدم زراعة نسبة معينة من القمح والشعير، وكالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ والإهمال.
واجتماع هؤلاء جميعا في صعيد واحد يؤدي إلى تفشي عدوى الإجرام بينهم، فالمجرم الخبير بأساليب الإجرام يلقن ما يعلمه لمن هم أقل منه خبرة، والمتخصص في نوع من الجرائم لا يبخل بما يعلم عن زملائه، ويجد المجرمون الحقيقون في نفوس زملائهم السذج أرضا خصبة يحسنون استغلالها دائما، فلا يخرجون من السجن إلا وقد تشبعت نفوسهم إجراما.
ولقد دلت المشاهدات على أن الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة كضبط قطعة سلاح معه، وكان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنه يكره المجرمين و يأنف أن يكون منهم، فإذا خرج من السجن حبب إليه الإجرام واحترفه بل