بعد عام، والمحابس لا تزيد، فقد اضطر ولاة الأمور إلى حشرهم حشرا في غرف السجون، كما يحشر السردين في علبته... وقد أدى ازدحام السجون وعدم توفر الوسائل الصحية بها وحرمان المسجونين من الاتصال بزوجاتهم إلى انتشار الأمراض السرية والجلدية والصدرية وغيرها من الأمراض الخطيرة بين المسجونين...
فالسجون إذن أداة لنشر الأمراض بين المسجونين ولإفساد أخلاقهم وتضييع رجولتهم. ولا يقتصر شر السجون على هذا، بل إنها تؤدي إلى فساد الأخلاق في خارجها، لأن وضع الرجال في السجون معناه تعريض زوجات هؤلاء الرجال وبناتهم و أخواتهم إلى الحاجة وإلى الفتنة، ووضعهن وجها لوجه أمام الشيطان.
7 - ازدياد الجرائم: وقد وضعت عقوبة الحبس على اختلاف أنواعها لمحاربة الجريمة، ولكن الإحصائيات التي لا تكذب تدل على أن الجرائم تزداد عاما بعد عام زيادة تسترعي النظر وتبعث على التفكير الطويل...
يؤدي تنفيذ النظام الوضعي إلى وضع عدد كبير من الرجال الأصحاء القادرين على العمل في المحبس والإنفاق عليهم دون أن يؤدوا عملا مجديا. فتخسر الأمة من وجهين:
تخسر المال الذي تنفقه على المحبوسين، وتخسر ما كان يمكن أن ينتجه هؤلاء لو لم يوضعوا في المحابس.
ولكن هذه الخسائر تنتفي لو نفذ النظام الإسلامي، لأن الشريعة لا تعرف الحبس في جرائم الحدود والقصاص، وهي كما بينا تبلغ ثلثي الجرائم عادة. كما أن الشريعة تفضل في التعازير عقوبة الجلد على عقوبة الحبس، ولا تفضل عقوبة الحبس إلا إذا كان حبسا غير محدود المدة، حيث يبقى المجرم بعيدا عن الجماعة مكفوفا شره وأذاه حتى يموت.
ولا يحكم بهذا النوع من الحبس إلا في الجرائم الخطيرة أو على المجرمين العادين. وإذا فرض أن عقوبة الجلد تطبق في نصف الجرائم الباقية كان الباقي الأخير من الجرائم - حوالي 15 % من مجموع الجرائم - يقسم بين عقوبات الحبس والغرامة والتغريب وغير ذلك من عقوبات التعازير المتعددة، والمفروض أن الجرائم التي يجلد فيها هي جرائم التعازير الخطيرة. فالجرائم التي تبقى أخيرا ليعاقب