بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير فقد وضح وانكشف ان جميع هذه المشاعر الثمانية تصلح لان تصير أبواب الجنان في حق من يصرفها فيما خلقها الله لأجله كما قال واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى ومنها أبواب جهنم في حق من صرفها في طاعة الهوى وشهوات الدنيا كقوله تعالى واما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى.
فان قلت باب الدار يشبه الدار والجنة والنار داران متخالفتان في جوهر الحقيقة ونحو الوجود فكيف يصح أن تكون المشاعر الانسانية بعينها أبواب الجنة وأبواب النار.
قلنا السمع والبصر وغيرهما التي لأهل السعادة والهدى مباينه بالحقيقة والنوع عندنا للتي لأهل الشقاوة والهوى وان وقع الاشتراك بينهما في أصل الاحساس والشعور فان مدارك أهل السعادة ومرائيهم مطهره عن رجس الهيولى منورة بنور المعرفة والتقوى ومدارك الأشقياء المدبرين والمردودين إلى أسفل سافلين مغشاة بغشاوة الطبع مظلمة بظلمات الجهل والهوى وبالجملة السمع والبصر والفؤاد التي لأولئك الأصحاب وأولى الألباب قد وقع لها التبديل الأخروي والتحويل الإلهي الذي به تستأهل لان تكون من أبواب الجنة التي هي دار الحسنات ومنزل الخيرات واما السمع والبصر والفؤاد التي لأصحاب النار والأشقياء الفجار فصارت أنحس مما كانت وأظلم وأنجس فناسبت لان تكون مداخل وأبوابا لدار الظلمات ومعدن البوار والنكال والعذاب.
مكاشفة تنبيهية اعلم هداك الله لسلوك سبيل الآخرة على الصراط المستقيم ان الجنة التي يصل إليها من هو من أهلها هي مشهودة لك اليوم من حيث محلها (1) لا من حيث صورتها وأنت تتقلب فيها على الحال التي أنت عليها ولا تعلم انك فيها فان الصورة الطبيعية تمنعك وتحجبك عن مشاهدتها ومشاهده ما أعدت فيها من نعيمها وغرفاتها وأشجارها وأنهارها وطعامها وشرابها فأهل الكشف الذين أدركوا ما غاب عنهم يرون ذلك المحل ويرون من كان في روضه خضراء وإن كان جهنميا يرونه بحسب ما يكون فيه من لغوب ونصب من حرورها وزمهريرها ونيرانها ولهبها وحياتها