من يمكن الا وله فاعل وغاية ومن الموجودات وهي المركبات ما له علل أربع الفاعل والغاية والمادة والصورة ولكل غاية غاية أخرى ولا يتسلسل إلى غير النهاية بل ينتهى إلى غاية أخيرة لا غاية لها كما أن لكل مبدء مبدء حتى ينتهى إلى مبدء أول لا مبدء له وقد ثبت بالبرهان ان بارئ الكل لا غاية في فعله سوى ذاته وانه غاية الغايات كما أنه مبدء المبادئ ولا شك ان غاية الشئ ما له ان يصل إليه (1) الا لمانع خارجي وكلما لا يمكن الوصول إليه لم يكن اطلاق الغاية عليه الا بالمجاز فلم يكن غاية بالحقيقة وقد فرضناها غاية هذا خلف فثبت بما ذكرناه ان جميع الممكنات بحسب الطبائع والغرائز طالبه إياه تعالى منساقة إليه متحركة نحوه انسياقا معنويا وحركه ذاتية وهذه حركه والرغبة لكونهما مرتكزين في ذاتها من الله لم تكونا هباء وعبثا ولا معطلا فلا محاله غايتها كائنة متحققه مترتبة عليها الا لعائق قاصر والقسر لكونه خلاف الطبع لا يكون دائميا بل منقطع كما سبق بيانه فيزول القواسر والموانع ولو بعد زمان طويل فتعود الأشياء كلها إلى غاياتها الأصلية وغاية الشئ أشرف لا محاله من ذلك الشئ فغاية كل جوهر هي أقوى جوهرية وأتم وجودا وأشرف مرتبه من ذلك الجوهر وهكذا ننقل الكلام إلى تلك الغاية حتى تنتهي إلى غاية أخيرة لا أشرف منها ولا غاية بعدها دفعا للتسلسل وهي غاية الغايات ومنتهى الحركات والرغبات ومأوى العشاق الإلهيين والمشتاقين وذوي الحاجات فالكل محشور إليه تعالى وهو المطلب.
واما البيان التفصيلي فلنورده في دعاوى الدعوى الأولى في حشر العقول الخالصة إلى الله تعالى قد سبق مرارا انها مستهلكة الهويات في هويته تعالى وانها باقية ببقاء الله راجعه إليه ولنوضح ذلك بذكر وجوه من البراهين.