فارقت كما أن ذلك الماء إذا كان في الأوعية أمور تغيره من حالته اما في لونه أو رائحته أو طعمه فإذا فارق الأوعية صحبته في ذاته ما اكتسبته من الصفة وحفظ الله عليها تلك الهيئات المتكسبة ووافقوا في ذلك بعض الحكماء وطائفة قالت الأرواح المدبرة لا تزال مدبره في عالم الدنيا فإذا انتقلت إلى البرزخ دبرت أجساما برزخية وهي الصور التي يرى الانسان نفسه فيها في النوم وكذلك الموت وهو المعبر عنه بالصور ثم يبعث يوم القيامة في الأجسام الطبيعية كما كانت في الدنيا والى هنا انتهى (1) خلاف أصحابنا في الأرواح بعد المفارقة واما اختلاف غير أصحابنا في ذلك فكثير خارج عن مقصودنا انتهت ألفاظه.
وانما نقلنا بطولها لما فيها من بعض التحقيقات المطابقة لما نحن عليه من الحكمة البرهانية وإن كان فيها بعض أشياء مخالفه لها.
منها انه حكم بتقدم وجود الصورة الجسمية على وجود الأرواح المدبرة لها وقد علمت أن تلك الأرواح أعني النفوس بحسب ذاتها متقدمة على الأبدان ضربا من التقدم (2) وهي المخصصة للأبدان بهيئاتها وأشكالها وأعضائها التي تناسب لمعانيها وصفاتها الذاتية وفصولها المنوعة لتكون مظهرا لحقائقها وموضوعه لأفاعيلها وقابله لأعمالها التي بها يخرج كمالاتها من القوة إلى الفعل فالأبدان تابعه في الوجود للأرواح بالذات لا بالعكس وان كانت هي أيضا مفتقرة إليها في طلب الكمال وظهور