أحدهما وراء القفا والأخرى في مقابلتها بحيث يبصرها ويراعى مناسبة مخصوصة بين وضع المرآتين حتى ينطبع صوره القفا في المرآة المحاذية للقفا ثم تنطبع صوره هذه المرآة في المرآة الأخرى حتى تدرك العين صوره القفا كذلك في اقتناص العلوم طرق عجيبة فيها انتقالات أعجب مما ذكر في المرآة ويعز على بسيط الأرض من يهتدى إلى كيفية الاهتداء بها فهذه هي الأسباب المانعة للنفس الناطقة من معرفه حقائق الأمور والا فكل نفس بحسب الفطرة السابقة صالحه لان تعرف حقائق الأشياء لأنها امر رباني شريف فارق سائر جواهر هذا العالم بهذه الخاصية وما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء إشارة إلى هذه القابلية وهذه الحجب الحائلة بين النفوس الانسانية وعالم الملكوت فإذا ارتفع هذه الحجب والموانع عن قلب الانسان الذي هو نفسه الناطقة تجلى فيه صوره الملك والملكوت وهياه الوجود على ما هي عليه فيرى ذاته في جنه عرضها السماوات والأرض بل يرى في ذاته جنه عرضها أوسع من عرض السماوات والأرض لأنهما عبارة عن عالم الملك والشهادة وهو محدود واما عالم الملكوت والحقائق العقلية وهو الاسرار الغائبة من مشاهده الحواس المخصوصة بادراك البصيرة فلا نهاية لها وجمله عالم الملك والملكوت إذا اخذت دفعه تسمى الحضرة الربوبية لان الله محيط بكل الموجودات إذ ليس في الوجود سوى ذات الله وأفعاله ومملكته من أفعاله فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنة (1) بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند آخرين ويكون سعة المملكة في الجنة بقدر سعة المعرفة وبمقدار ما يتجلى للانسان من الله وصفاته وأفعاله وانما المراد من الطاعات وأعمال الجوارح كلها تصفية القلب وتطهير النفس وجلاؤها باصلاح الجزء العملي منها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ونفس الطهارة والصفاء ليست كمالا بالحقيقة لأنها امر عدمي والاعدام ليست من الكمالات بل المراد منها حصول أنوار الايمان أعني اشراق نور المعرفة بالله وأفعاله وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو المراد بقوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام فهو على نور من ربه
(١٣٩)