القرامطة والباطنية وما إليهما. وإن كان يغلب على الاعتقاد أن الشخصية التي تحدث عنها كتاب الفرق غير الشخصية التي وصفها علماء الشيعة بالوثاقة، وأثنوا عليها ثناء جميلا.
إن الصورة التاريخية للسلوك متناقضة.
فالصورة التي تقدمها كتب الفرق لعبد الله بن ميمون وأبيه، هي هكذا: رجل مغامر يتنقل بين العراق والمغرب، ويؤسس الأحزاب السرية، ويحول الفرائض إلى رموز وإشارات ويبيح جميع المنكرات، ويأمر بالاعتصام بالامام الغائب المفقود.
والصورة التي تقدمها كتب رجال الحديث الشيعة توحي بتفصيلات أخرى: رجل يعتقد بالإمامة فيصحب ثلاثة من أئمة أهل البيت مع ابنه، ويرويان عنهم كما جاء في كتب الرجال الروايات المتعلقة باحكام الصلاة والزكاة والزنى وآداب الطهارة والفطرة والصوم والحج والعدة والدعاء والابن عبد الله بوجه خاص مسلم ملتزم باحكام الاسلام التزاما دقيقا يؤهله لأن يوصف بالوثاقة من قبل أحد كبار علماء الرجال الشيعة أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي 372 450 ه وهو باحث معروف بأنه يتمتع بأعلى درجات الدقة العلمية والتحرج الديني.
وعلماء الرجال وعلى رأسهم النجاشي يعتبرون أبسط انحراف عن مبادئ الشريعة طعنا كبيرا في وثاقة أي رجل. وما أكثر ما نجدهم في كتبهم يضعفون الرجل بما هو أقل شانا وأهون من تبني الدعوة القرمطية والباطنية وما إليها.
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى أن أئمة أهل البيت قد حاربوا بعنف، وبلا هوادة كل انحراف عن الاسلام، ولم يتهاونوا قط في اعلان الحرب الفكرية ضد الغلاة والباطنيين على اختلاف اتجاهاتهم. وكانوا يحذرون أصحابهم والمسلمين عامة من هؤلاء التحريفيين المرتدين.
وقد صحب ميمون القداح ثلاثة أئمة وصحب ابنه عبد الله امامين.
فلو كانا يقومان بالنشاط التخريبي في العقيدة والمجتمع، وهذا النشاط المحموم الذي تصفه كتب الفرق لأكتشف أمرهما حتما، أو أمر واحد منهما على الأقل، وحينئذ لأعلن أئمة أهل البيت البراءة منهما ومن عملهما وحيث أننا لا نجد شيئا من ذلك، فيترجح عندنا ما أشرنا إليه من أن الشخصيتين اللتين تتحدث عنهما كتب الفرق غير الشخصيتين اللتين تتحدث عنهما كتب رجال الحديث الشيعة.
هذا من حيث الصورة التاريخية لكل واحد من الشخصيتين.
والوقائع التاريخية تؤكد إما وجود شخصيتين، أو عدم دقة مؤرخي الفرق، وذلك للاعتبارات التالية:
أولا الاسم والنسب.
الاسم والنسب الذي ذكره البغدادي الفرق بين الفرق ص 169 هو هكذا ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وعلى هذا فيكون ابنه عبد الله بن ميمون بن ديصان.
والاسم والنسب الذي ذكره النجاشي كتاب الرجال طهران ص 158 وهو هكذا عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح.
وهكذا يتضح ان اسم الجد مختلف وهذا يؤكد وجود شخصيتين.
ثانيا الوطن:
كل من ترجم لميمون القداح وابنه عبد الله من علماء الرجال الشيعة الكشي، النجاشي، الشيخ الطوسي، العلامة الحلي، وغيرهم نص على أنه مكي.
وثمة ما يدل صراحة على أن عبد الله بن ميمون كان مقيما في مكة، وهي ان أبا جعفر محمد بن علي الباقر قال له: يا ابن ميمون، كم أنتم بمكة؟ قال: نحن أربعة، قال إنكم نور الله في ظلمات الأرض هذا، بينما تصرح كتب الفرق ان نشاة الدعوة القرمطية كانت في الكوفة. وان ميمون بن ديصان كان سجينا في العراق، وان عمله وعمل ابنه عبد الله كان بين الكوفة والمغرب.
ويتضح من هذا اختلاف وطن إحدى الشخصيتين عن وطن الشخصية الأخرى.
ثالثا الولاء:
نص البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق على أن ميمون بن ديصان كان مولى جعفر بن محمد الصادق.
وفي مقابل هذا نص الشيخ الطوسي في كتاب الرجال على أن ميمون القداح مولى بني مخزوم وكذلك نص على أن ولده عبد الله بن ميمون المكي مولى بني مخزوم. وكذلك نص النجاشي في كتاب الرجال على أن: عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح المكي مولى بني مخزوم.
نعم ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الرجال في عداد أصحاب الإمام الصادق: ميمون القداح المكي، مولى بني هاشم هذا في حين اننا نجد الشيخ الطوسي نفسه قد ذكره في أصحاب الإمام محمد الباقر، وذكر انه مولى بني مخزوم. والظاهر أن ذكر ولائه لبني هاشم إما خطا من الشيخ الطوسي، أو أنه يقصد من الولاء معناه اللغوي وهو الصحبة والمحبة، ولا يقصد منه الولاء بمعناه الاصطلاحي، وهو الوضع الحقوقي المعين الذي كان ينشأ من تعاقد غير العربي مع شخص عربي أو قبيلة عربية.
وأما ما ذكره البغدادي من أن ميمونا القداح كان مولى لجعفر الصادق، فهو خطا منه ولا شك يتضح حين نلاحظ اختلاف العصر بين الشخصيتين.
رابعا العصر:
ميمون بن الأسود القداح المكي الذي تتحدث عنه كتب الرجال الشيعة معدود من أصحاب الأئمة: زين العابدين علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق. ولم يذكر تاريخ وفاته، الا اننا نقدر انه لا بد ان يكون قد توفي في حياة الإمام الصادق، وابنه عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح المكي معدود من أصحاب الإمامين محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق. وهذا يوحي بان