من الفضلاء الواردين مراغة سنة سبع وستين وستمائة كان مليح الخط صحيح الضبط يتردد مدة مقامه في مراغة إلى الرصد وينشدني من أشعار شعراء ما وراء النهر وتركستان إلى غير ذلك فابن الفوطي مؤرخ هذه النهضة العلمية الكبيرة في مراغة على عهد المغول ولولا معجمه هذا لما عثرنا من تاريخها على ما يشفي الغليل.
أقام ابن الفوطي ثلاث عشرة سنة في مراغة كما مر ستا منها في دولة طاغيتها هولاكو إما الباقي ففي دولة ابنه اباقا تكاثر خلالها أصدقاؤه ومعارفه وأحبه المغول وأدناه القوم من مجالسهم وسمح له بزيارة الأميرات المغوليات ولا يخلو معجمه من ذكر نساء المغول وقد قال في ترجمة عز الدين الحسن بن الحسين بن يوسف نزيل تبريز الموصلي الشيخ العارف النقاش كان جميل الأخلاق لطيف المعاني يتعاطى صنعة النقش وخياطة الزركش واتصل بحضرة الخاتون المعظمة بلغان جهة السلطان الأعظم محمود غازان بن ارغون وحصل له الجاه والمال وحضر في خدمة السلاطين وهو في جميع حالاته محب للفقراء والغرباء له زاوية بتبريز أقمت عنده وسألته عن مولده فذكر لي انه ولد بالموصل سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي بتبريز سنة عشرة وسبعمائة وقال في ترجمة فلك الدين التبريزي رأيته بالسلطانية وهو لطيف الأخلاق له مروءة كان السبب في الدخول إلى خداوند زاده ست الكرام خاتون بنت الصاحب السعيد شرف الدين في ربيع الاخر سنة سبع عشرة وسبعمائة ومما خلده في كتابه من ذكرياته في مراغة تراجمه لبعض الاسرى من العراقيين في واقعة بغداد فقال في ترجمة عبد العزيز بن إبراهيم الخالدي سبط المستعصم: كانت والدته بنت الامام المستعصم بالله لما أخذت بغداد انفذ بها السلطان هولاكو إلى أخيه منكوقان وخلصت بهمة جده واتصلت بوالده وقدم مراغة في خدمة والده إلى حضرة خاله الأمير السعيد المبارك ابن المستعصم بالله سنة إحدى وسبعين وستمائة وتوجهوا إلى مدينة السلام وتوفيت بها وكان شابا سريا كريم الطرفين وفي ترجمة عميد الدين سعيد بن محمد السلمي البغدادي المنجم: كان والده نائب الجانبين ببغداد ولما أخذت بغداد وقع أسيرا وشرع في معرفة التقاويم ووصل إلى حضرة اباقا ابن السلطان الأعظم هولاكو وكان يحترمه وينعم عليه ويلبسه من ملابسه واخترم شابا في المحرم سنة أربع وستين وستمائة وكانت بيني وبينه صحبة واجتماع ودفن في مراغة في الطريق إلى الرصد عند قبة ترخان.
هذا وقد اتقن ابن الفوطي اللغة الفارسية وأحاط بأدابها وروى اثار أدباء اللغة المذكورة بل نظم الشعر فيها كما أنه ألم على الأرجح باللغة المغولية وقد نظم الشعر باللغة العربية ولكنه لا يعد من شعرائها المجيدين.
غلبت على ابن الفوطي عاطفة الحنين إلى الوطن والرجوع إلى مسقط رأسه بغداد غير مرة في مراغة بيد انه لم يتمكن من الفور بمبتغاه الا في سنة 678 ه 1279 م وذلك بفضل الصاحب علاء الدين الجويني أشهر من حكم العراق أيام هولاكو وابنه اباقا وهو ممن اتصل بهم ابن الفوطي في مراغة من أعيانها فاعجب بفضله ومواهبه وترجع شهرة الجويني مضافا إلى عبقريته السياسية ونجاحه في إدارة شؤون الدولة المغولية ولا سيما في العراق إلى غزارة علمه والى آثاره الممتعة في الأدب والسياسة والتاريخ وتشجيعه للتأليف والمؤلفين في شتى الفنون وقد كتب ابن الفوطي لخزانته كثيرا من الكتب ومنها تاريخه الكبير كما اهدى ابن ميثم البحراني شرح نهج البلاغة له واهدى ابن كمونة بعض مؤلفاته لآل الجويني منها كتابه في شرح الإشارات أهداه لشمس الدين الجويني صاحب ديوان الممالك. ويعد ابن الفوطي أعظم أيادي الجويني عليه اعادته إلى بغداد واليكم ما يقوله في ترجمة الجويني عن ذلك هو الذي أعادني إلى مدينة السلام سنة تسع وسبعين وستمائة وفوض إلي كتابة التاريخ والحوادث وكتب لي الإجازة بجميع مصنفاته واملى علي شعره في قلعة تبريز سنة سبع وسبعين وستمائة هذا وقد عهد إلى ابن الفوطي فور وصوله إلى بغداد بالاشراف على خزانة المستنصرية وهو عمل اتقنه ابن الفوطي منذ كان في مراغة وتعد كتب ابن الفوطي أحسن مرجع للاطلاع على شؤون الكتب والمكتبات العامة والخاصة خصوصا ما كان منها في عصره كمكتبة دار الرصد ومكتبة المستنصرية هذه وقد رفعته خبرته في فن الخطوط ومعرفته بمشاهير الناسخين والخطاطين وحذقه لأصول انشاء المكتبات إلى مستوى الأئمة في هذا الشأن وقد كون لنفسه مكتبة خاصة تعد بين المكتبات الثمينة المعروفة في عصره وكان منزله ومكتبته المذكورة في بغداد ملتقى طلبة العلم ومجتمع الطبقة المهذبة من البغداديين والطارئين على بغداد ومن عادته ان يشير في معجمه إلى زواره وزوار مكتبته من العلماء والأعيان أو من المعجبين بمؤلفاته المتنافسين في اقتناء آثاره في شتى المواضيع والفنون.
كانت مكتبة المستنصرية المذكورة في وقت إشراف ابن الفوطي على شؤونها أشهر مكتبة عامة في العالم كله كما كانت مفخرة من مفاخر بغداد وتزار في مقدمة ما يقصد ويزار من معاهدها العظيمة وقد عني ابن الفوطي بتاريخها من هذه الناحية ووصف زيارة من زارها من الملوك والرؤساء وغيرهم في أيامه ومنهم سلاطين المغول وأعيانهم فقد زارها منهم السلطان محمود غازان في مقدمه إلى بغداد سنة 696 ه 1296 كما زارها أشهر رجال دولته القادمين معه. قال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة: دخل خزانة الكتب ولمحها. واليكم نص ما جاء في ترجمة قطب الدين أحمد بن عبد الله الخالدي قاضي قضاة الممالك لما ولي اخوه صدر الدين الخالدي الوزارة فوض إلى أخيه قضاء الممالك وامر ونهى ورتب القضاة في البلدان وقدم علينا بغداد في خدمته لما قدمها صحبة المعسكر الإيلخاني سنة ست وتسعين وستمائة وحضر عندنا في خزانة كتب المدرسة المستنصرية في جماعة من علماء قزوين فلما عاين تلك الكتب المنضدة التي لم يوجد مثلها في العالم لم يطالع منها شيئا لكنه سال هل تحتوي هذه الخزانة على كتاب الهياكل السبعة فقد كانت لي نسخة مذهبة منه شذت عني أريد ان استكتب عوضها وقتل قطب الدين بعد قتل أخيه سنة ثمان وتسعين وستمائة في أذربيجان وفي ترجمة العكيكي قوام الدين محمد بن علي العكيكي البغدادي الصدر الأديب من أدباء عصرنا ومن بيت أصيل تادب وسافر الكثير ودخل بلاد الشام وحج بيت الله الحرام ودخل بلاد اليمن ثم قدم بغداد وانا بها وكان يتردد إلى خزانة الكتب بالمدرسة المستنصرية أيام كنت مشرفا على الخازن جمال الدين ياقوت المستعصمي وكان يوردنا الاخبار وينشدنا الاشعار كتبت عنه من شعره وشعر غيره ثم خرج مسافرا سنة تسع وتسعين وستمائة.
كان ابن الفوطي دون الثلاثين من عمره اي في سن الطلب