ورد، فهواها واشتهر بحبها، وذاع هواه إياها بين الناس، وتمادى به الامر حتى غلب عليه وذهب به. فلما اشتهر بها دعاها إلى الاسلام ليتزوج بها، فأجابته لعلمها بحقيقة رغبته فيها، وأسلمت على يده، فتزوجها وهو يقول فيها قبل زواجه بها:
انظر إلى شمس القصور وبدرها * والى خزاماها وبهجة زهرها لم تبك عينك أبيضا في اسود * جمع الجمال كوجهها في شعرها وردية الوجنات يختبر اسمها * من ريقها من لا يحيط بخبرها وتمايلت فضحكت من اردافها * عجبا، ولكني بكيت لخصرها واعسر بعد السلام وضاقت الأحوال به واختلت، فطلب المال من غير حمص، ورحل إلى سلمية، تاركا زوجته وردا، ومضى يقصد بعض الوجوه بمديحه ليحصل على ما يفرج كربته من عطاء عطاء أحمد بن علي الهاشمي. ويبدو ان عبد السلام كان قد اعتاد كلما المت به ضائقة، ان يترك حمص ويقصد احمد هذا وأخاه جعفر فيظفر منهما بالمال ثم يعود إلى بلده حمص.
وكان لعبد السلام ابن عم يدعى أبا الطيب، وكان بينهما ضغن قديم، حتى أن عبد السلام كان يهجوه في شعره، في بعض الأحيان، وسبب هذا الضغن غير واضح بالنسبة لنا وان كنا نرجح ان أبا الطيب هذا كان يكره من ابن عمه عبد السلام ان يكون عاشقا لجارية نصرانية ثم زوجا لها. ويدلنا على ذلك أنه لما ترك عبد السلام زوجته ومضى، فأقام مدة طويلة في سلمية، في كنف أحمد بن علي الهاشمي وأخيه جعفر، استهدف أبو الطيب وردا وجعلها هدفا لشائعات خبيثة تنال من عرضها وشرفها، ولم يهمه انه بذلك انما ينال من عرض ابن عمه وشرفه أيضا.
روى أبو الفرج ان أبا الطيب أذاع على تلك المرأة التي تزوجها عبد السلام انها تهوى غلاما له، وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه واخوانه، وشاع ذلك الخبر حتى اتى عبد السلام فكتب إلى أحمد بن علي شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلغه من خبر المرأة من قصيدة أولها:
ان ريب الزمان طال انتكاثه * كم رمتني بحادث احداثه يقول فيها:
ظبي انس قلبي مقيل ضحاه * وفؤادي بريره وكباثه خيفة ان يخون عهدي وان * يضحى لغيري حجوله ورعاثه ومدح احمد بعد هذا، وهي قصيدة طويلة فاذن له.
فعاد إلى حمص. وفر ابن عمه وقت قدومه. فارصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص، فلما وافاه خرج إليه مستقبلا ومعنفا على تمسكه بهذه المرأة بعد ما شاع ذكرها بالفساد، وأشار عليه بطلاقها، واعلمه انها قد أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها. ودس الرجل الذي رماها به، وقال له: إذا قدم عبد السلام ودخل منزله، فقف على بابه كأنك لم تعلم بقدومه، وناد باسم ورد، فإذا قال من أنت؟ فقل انا فلان. فلما نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه سألها عن الخبر، وأغلظ عليها فأجابته جواب من لا يعرف من القصة شيئا.
فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب، فقالت من هذا؟ قال انا فلان، فقال لها عبد السلام: يا زانية، زعمت أنك لا تعرفين من هذا الامر شيئا. ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك:
لك نفس مؤاتيه * والمنايا معاديه أيها القلب لا تعد * لهوى البيض ثانيه ليس برق يكون أخلب * من برق غانيه خنت سرى ولم اخن * نك فموتي علانية وبلغ الأمير الخبر، فطلبه، فخرج إلى دمشق، فأقام بها أياما، وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق ان يؤمنه ويتحمل عليه باخوانه حتى يستوهبوا حياته. فقدم حمص، وبلغه الخبر على حقيقته وصحته، واستيقنه، فندم. ومكث شهرا لا يستفيق من البكاء، ولا يطعم الا ما يقيم رمقه. وقال في ندمه على قتلها:
يا طلعة طلع الحمام عليها * وجنى لها ثمر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطالما * روى الهوى شفتي من شفتيها قد بات سيفي في مجال وشاحها * ومدامعي تجري على خديها ما كان قتليها لاني لم أكن * أبكي إذا سقط الذباب عليها لكن ضننت على العيون بحسنها * وأنفت من نظر الحسود إليها وعلى هذا النحو ظل عبد السلام يعزف ألحان الحزن والاسى، باكيا زوجته، ومحبوبته وردا بعد ان تأكد من أنها ضحية وشاية رخيصة. وجعل يردد أشعار الرثاء والبكاء والندم، بما يفيض من ذوب نفسه حرقة ولوعة وألما:
أشفقت ان يرد الزمان بغدره * أو ابتلى بعد الوصال بهجره قمر انا استخرجته من دجنة * لبليتي وجلوته من خدره فقتلته وبه علي كرامة * ملء الحشي، وله الفؤاد باسره عهدي به ميتا كأحسن نائم * والحزن يسفح عبرتي في نحره ولعله أراد بعد ذلك ان يتعزى عن المصاب الذي ألم به ففزع يتسلى بصنوف من المجون وضروب من الخلاعة. إذ يحدثنا ابن أخ له يدعى أبا وهب الحمصي فيقول: كان عمي خليعا ماجنا منعكفا على القصف واللهو، متلافا لما ورث عن آبائه وما اكتسب بشعره من احمد وجعفر ابني علي الهاشميين. كما كان ابن عمه أبو الطيب يعظه وينهاه عما فعله، ويحول بينه وبين ما يؤثره ويركبه من لذاته، وربما هجم عليه وعنده قوم من السفهاء والمجان وأهل الخلاعة فيستخف به. وكان ابن عمه هذا كان يشعر بعظم الجرم الذي ارتكبه في حقه وبأنه السبب فيما آلت إليه حال عبد السلام من اسراف في المجون والخلاعة والسفه فأراد ان يكفر عن بعض جرمه بان ينصح ابن عمه ويخرجه عن السير في هذا الطريق المهلك ويوقفه عن المضي فيه إلى غايته.
وله:
دع البدر فليغرب فأنت لنا بدر إذا ما تجلى عن محاسنك الفجر