أسماء أربعة وثلاثين كتابا من مؤلفاته، في الفقه، والكلام، والأدب، والاخبار والتاريخ، والجغرافية، ولكن لم يبق من هذه الكتب الا كتاب مروج الذهب، وكتاب التنبيه والاشراف، والأول أطول من الثاني الا ان الثاني يبدو فيه الاتساق والنضج، وهو يروي ان بعض كتبه الأولى كبيرة.
ولكن الزمان لم يبق عليها فضاعت كما ضاع كثير من كنوز المعرفة الاسلامية العظيمة.
غير اننا نستطيع ان نقدر سعة علمه من الكتب التي يورد ذكرها، ففي مقدمة مروج الذهب ذكر لتسعة وسبعين مؤلفا أو كتابا من أمهات كتب التاريخ التي قرأها، عدا الكتب التي لم ير مبررا لذكرها نظرا لوهنها وضعفها.
وتتجلى سعة اطلاعه أيضا مما يورده في مؤلفيه الذين بقيا لنا، يشير إلى الفلسفة، ويذكر الفلاسفة بالاحترام والتقدير، وينعى على مدعى الفلسفة، الذين شوهوا قيمها السامية، كما كان مطلعا على آراء أهل الملل والنحل وألف كتبا عنها. ولكن أكثر تأثره كان بالعلماء الإغريق والغرب.
فاما الإغريق فقد كانوا مبرزين في كثير من العلوم، وقد ترجمت معظم مؤلفاتهم إلى العربية، فساعدت العلماء على الاطلاع عليها والإفادة منها. وقد اورد المسعودي آراء كثير من العلماء الإغريق، وخاصة أرسطو الذي اقتبس المسعودي منه بعض الآراء والأفكار في الجغرافية الطبيعية كما تردد كثيرا في كتابه ذكر العالم الإغريقي بطلميوس، فاقتبس منه كثيرا وأشار إلى بعض آرائه وخاصة عند بحثه عن شكل الأرض وأبعادها، وامتداد المعمور والأقاليم وقسمة الأرض إلى ثلاث قارات، كما أشار إليه عند البحث عن الأنوار والفصول والبحار، وقد أشار في كتبه إلى مارينوس الصوري وهرمس.
غير أنه لم يتقبل كافة آرائهم أو يصدقها، بل نقدهم، نقد آراء بطلميوس عن امتداد المعمورة وتقسيمها إلى ثلاث قارات، أو ان البحر يحيط القارات من كافة الجهات.
وقد أشار المسعودي إلى المتقدمين من العلماء العرب، فذكر من الفلكيين كتاب الثلاثين فصلا للفرغاني، والزيج للبتاني، وصورة الأرض للخوارزمي، والمدخل إلى صناعة النجرم للبلخي والزيج المأموني، واقتبس من العرب فكرة انحناء سطح الأرض وان الأرض كالقبة، وكذلك خطوط الطول والعرض، وأفكاره عن البحار والمناخ والأمطار، ولعل أكثر المفكرين العرب اثرا في المسعودي هو الكندي وتلميذه أحمد بن الطيب السرخسي حيث يجلهما ويقر آراءهما وخاصة عن بحر الحبشة ورسم المعمور وقد تأثر بهما كثيرا.
على أنه لم يكتف بالتعلم بل قام بسفرات طويلة في العالم الاسلامي وخارجه، فقد زار فارس وخراسان والهند والسند حيث بقي فيهما أمدا ووصفهما وصفا دقيقا، كما زار سجستان وكرمان وجرجان وطبرستان وخوزستان. وزار أيضا شرقي إفريقية وسوريا ومصر حيث أقام عدة سنين ألف فيها كتابيه مروج الذهب والتنبيه والاشراف. وقد أكسبته هذه الرحلات اطلاعا واسعا وخبرات مباشرة ومرونة في التفكير.
لقد كان المسعودي واسع الاطلاع، نقادة لا يرضى بالخرافات، يعتمد على خبراته الشخصية وعلى قوة تفكير في النقد، واهتم بدراسة أحوال الشعوب وأهل الأرض دراسة شاملة، فوصف الأرض التي يسكنونها فكان جغرافيا عظيما، كما وصف طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم وعقائدهم ومواطنهم، وبحث عن تاريخهم، وهكذا أظهر الصلة الوثيقة بين الجغرافية والتاريخ. ولم يقتصر على وصف العالم الاسلامي فحسب، بل شمل بحثه البلاد غير الاسلامية أيضا، كما لم يقصر بحثه على المصادر العربية بل حاول ان يستقى معلوماته عن تاريخ كل شعب من كتبهم، وهكذا أظهر عمليا انه نموذج رائع للعالم الحقيقي الفطن المرن الواسع الصدر.
كلمة المؤلف وقال المؤلف: هذا الرجل جليل القدر عظيم المنزلة في العلم بارع في أكثر علوم الاسلام علامة فيها ولم أر من المتقدمين من وفاه حقه في الترجمة مع أنه حقيق بكل وصف جميل فجملة من المؤرخين لم يذكروه كابن خلكان وابن الأثير وغيرهما حتى أن الخطيب في تاريخ بغداد لم يذكره مع أنه ذكر كل من اجتاز بها وان لم يكن من أهلها وهذا ولد بها وتوطنها ولم يذكره ومن ذكره من المؤلفين اقتصر في وصفه على بضع كلمات لا تفي بحقه مع اطنابهم فيمن لم يبلغ درجته في العلم والفضل والإحاطة والتبحر فابن النديم اقتصر كما سمعت على وصفه بأنه مؤرخ وجعله من أهل المغرب وهو من أهل المشرق وياقوت كما سمعت أيضا لم يزد على وصفه بالمؤرخ وأطال في الرد على ابن النديم في جعله له مغربيا، وكان كل شئ في الدنيا يحتاج إلى حظ، والدنيا حظوظ كما يقال وليس لدينا من كلمات العلماء ما نستفيد منه شرح أحواله على التمام لأنها في حقه موجزة كما سمعت أو معدومة وانما يمكننا ان نستفيد بعض الشئ من أسماء مؤلفاته ومواضيعها ومما حكاه عن نفسه من أسفاره وتنقله في البلاد الدال على علو همته ولذلك اشتملت كتبه في التاريخ على غرائب لا توجد في غيرها كما يعلم من مطالعتها. وفي رياض العلماء عن بعض علماء مصر أنه قال في كتاب الاهرام والصنم المسمى بأبي الهول قرأت في كتب المسعودي المشتملة على العجائب والغرائب من حكاياته ورواياته ما هذا نصه وقيل إن الوليد الخ...
كان المسعودي مؤرخا بارعا متبحرا وجغرافيا ماهرا ومتكلما أصوليا فقيها محدثا رجاليا عارفا بالفلسفة وعالما بالنجوم وما إلى ذلك اخلاقيا نسابة وقد ألف في هذه العلوم وفي أكثر علوم الاسلام فألف في أصول الفقه وفي الفقه وفي علم الكلام والدعاء وفي أصول الديانات وفي التاريخ وفي الطبيعيات ولكنه اشتهر بعلم التاريخ واشتهرت تاليفه وشاعت بين الناس وطبع ما وجد منها غير مرة وقد دل على معرفته للعلوم المهمة من علوم الاسلام ودرسه لها وتأليفه فيها ما اشتهر من مؤلفاته.
اشتكى في مقدمة كتابه مروج الذهب ومعدن الجوهر قلة العلم والعلماء بقوله على أن العلم قد بادت آثاره وطمس مناره وكثر فيه العناء وقل الفهماء فلا تعاين الا مموها جاهلا ومتعاطيا ناقصا قد قنع بالظنون وعمي عن اليقين لم ير الاشتغال بهذا الضرب من العلوم والتفرع لهذا الفن من الآداب. ثم ذكر قسما من مؤلفاته في العلوم الاسلامية فمن العلوم التي درسها وألف فيها علم الكلام وأصول الدين كما أشار إلى ذلك في