قدرها غيرة على عقائل المسائل لا حرصا على حطام هذا العاجل ولا تفاديا من تعريض جاهل فان بموالينا أهل البيت ع أعظم أسوة وأكمل قدوة فقد قال الناس فيهم الأقاويل ونسبوا إليهم الأباطيل وبملاحظة لو كان المؤمن في جحر ضب يبرد كل غليل الخ.
ويستفاد من كلامه هذا انه قد كان ترك بلاد العجم مع ما كان له فيها من الجاه الطويل العريض لأسباب قاهرة وسكن العراق وان الضرورة دعته إلى تناول شئ من خراج العراق من يد السلطان لأمر معاشه وان بعض من يتسم بالعلم أنكر عليه ذلك وتبعه جماعة من الغوغاء ولعله الشيخ إبراهيم القطيفي كما ذكر في ترجمته أو غيره فشنع عليه بسبب ذلك وقد رد القطيفي على هذه الرسالة برسالة سماها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج قال في أولها وان بعض اخواننا في الدين قد ألف رسالة في حل الخراج وسماها قاطعة اللجاج واولى باسمها ان يقال مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ولم أكن ظفرت بها منذ الفها الا مرة واحدة في بلد سمنان وما تأملتها الا كجلسة العجلان فأشار إلي من تجب طاعته بنقضها ليتخلق من رآها من الناس برفضها فاعتذرت وما بلغت منها حقيقة تعريضه بل تصريحه بأنواع الشنع فلما تأملته الآن مع علمي بان ما فيها أو هي من نسج العناكب فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح لكن المرء المؤمن يسلي نفسه بالخبر المنقول عنهم ع لا يخلو المرء المؤمن من خمس إلى أن قال ومؤمن يؤذيه فقيل مؤمن يؤذيه قال نعم وهو شرهم عليه لأنه يقول فيه فيصدق وفي قوله تعالى وان تتقوا وتصبروا فان ذلك من عزم الأمور وقوله وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما تعلمون محيط أتم دلالة وقد حسن بي ان أتمثل بقول عنترة العبسي ولقد خشيت بان أموت ولم تكن * للحرب دائرة على ابني ضمضم الشاتمي عرضي ولم اشتمهما * والناذرين إذا لم القهما دمي فاستخرت الله على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ليعرف أرباب النظر الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه فخرج الامر بذلك فامتثلت قائلا من قريحتي الفاترة على البديهة الحاضرة ثلاثة أبيات:
فشمرت عن ساق الحمية معربا * لتمزيقها تمزيق أيدي بني سبأ وتفريقها تفريق غيم تقيضت * له ريح خسف صيرت جمعه هبا أبى الله ان يبقي ملاذا لغافل * كذاك الذي لله يفعل قد أبى ألفت هذه الرسالة وسميتها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج. ثم إنه قدم مقدمة ذكر فيها فوائد الأولى حرمة كتمان العلم والفقه فذكر الآيات والأخبار الواردة في ذلك الثانية في ما ورد في ذم اتباع السلطان من العلماء ونحو ذلك الثالثة في مدح من أعان طالب العلم وذم من آذاه الرابعة في مدح العالم العامل وذم التارك للعمل الخامسة في الحيل الشرعية. ثم شرح في الردود فكان مما قهل رد على قول الكركي مقتفين في ذلك اثر كثير من العلماء الخ: لم يرض هذا المعتذر ان ارتكب ما ارتكبه الا بان ينسب مثل فعله إلى الأتقياء وليت شعري اي تقي ارتكب ما ارتكبه من اخذ قرية يتسلط فيها بالسلطان فإن كان وهمه يذهب إلى مثل العلامة فهذا من الذي يجب عنه الاستغفار ويطهر الفم بتكراره بعد المضمضة فان الذي كان له من القرى حفر أنهارها بنفسه واحياها بماله لم يكن لاحد فيها من الناس تعلق ابدا وهذا مشهور بين الناس ويزيده بيانا انه وقف أكثر قراه في حياته وقفا مؤبدا ورأيت خطه عليه وخط الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنة ومنه إلى الآن في يد من ينسب إليه يقبضه بسبب الوقف الصحيح وفي صور سجل الوقف انه أحياها وكانت مواتا والوقف الذي عليه خطه وخط الفقهاء موجود إلى الآن ومع ذلك فالظن بمثله لما علم من تقواه وتورعه يجب ان يكون حسنا ولو لم يكن من تقواه الا ان أهل زمانه فيه بين معتقد فيه ما لا يذكر واخر يعتقد فيه الامر المنكر ويبالغون في نقضه ويعلمون بنقل الميت دون قوله كما صرح به هو عن نفسه وهو في أعلى مراتب القدرة عليهم ولم يتعرض لغير الاشتغال باكتساب الفضائل العلمية والاحكام النبوية واحياء دارس الشريعة المحمدية لكان كافيا في كمال ورعه وجمال سيرته ونحو ذلك يقال في علم الهدى وأخيه رضوان الله عليهما على أن الذي يجب على هذا المستشهد ان ينقل عنهم ولو بخبر واحد انهم أخذوا القرية الفلانية لأمر السلطان لهم بذلك حتى يثبت استشهاده وحسن ان يتمثل له بقول الشاعر:
وأفحش عيب المرء ان يدفع الفتى * اذى النقص عنه بانتقاص الأفاضل ثم قال عن بعض كلام الكركي ان هذا من كرامات القرن العاشر حيث أظهر ان من يسمى بالعلم ويوصف به ويجلس منتصبا للفتوى يبسط مثل هذا في مصنف وليس أعجب من ذلك الا سماع أهل القرن لهذا التأليف من غير أن ينكره منكر منهم انكار يردع مثل هذا المؤلف ان يؤلف مثله ولا اعرف جوابا عن هذين الا ما قاله ع ان الله لا يقبض العلم انتزاعا الخ وها انا ذا انفة على الدين أبين ما فيه الخ ثم قال بعد ما ذكر اعتراضا للكركي على بعض العلماء:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم ثم قال وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث اخره القدر كان انسب بمقامه ثم قال فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى قلة تأمل هذا الرجل وجرأته على دعوى الاجماع ثم قال فاعلم أن هنا أمرا إذا نظره المتأمل بعين البصيرة لم يجد معه لهذا الرجل المتحمل في حل هذه الشعرية وجها وانه فيما فعل وألف لا يخلو من أمرين قصور في العلم أو شدة حب لجمع الدنيا لا يبالي معه من أين أصاب وذكر ما ذكر تمويها لدفع الشناعة من بعض قاصري النظر ولعل الثاني هو الوجيه فان ولاة العراق قد ظلموا أهله بتخريج مال لا شبهة في تحريمه ضرب في تحصيله السيد والعامي والمسكين والفقير حتى أن الحائك وغيره من أرباب الصنائع من المؤمنين المكتسبين يؤخذ منهم إلى مرتبة الدرهم والدرهمين وجمعوا ذلك وجعلوه في وجه المعونة للزاد والراحلة وما تبعهما عند توجهنا إلى الرضا ع بإشارة من خلدت دولته فبولغت فيه فكان جوابي بحضرة هذا المؤلف وحضرات أكابر أهل العراق من السادة والعوام انه دامت سلطته بعث إلينا من أقاصي خراسان ونحن في طرف عراق العرب طلبا لترويج الدين واظهار فضل التشيع وأهله المستنين بسنة أهل بيت النبوة ع فإذا تركنا الدين واخذنا الحرام فكيف نكون أهلا لترويج الدين فلم ألبث قليلا وإذا به قد اخذه وصرفه فيما يشاء غير متأثم ولا خائف من موقف العرض ولا مستح من شناعة أهل الايمان وربما زعم أنه عمل حيلة له فليت شعري كيف كانت تلك الحيلة مع أن الامر بالمعروف والنهي والمنكر يقتضي وجوب السعي في رده إلى أهله على الفور بجميع أنواع القدرة فلو لم يكن على المتحيل في اخذه الا عدم رده والسعي فيه لكان من موبقات الذنوب بل الرضا والسكوت عنه مع المكنة من موبقاتها وانما ذكرت هذه الحكاية في هذا