رويت يوم لقاهم كل ذي ظما * في الحرب حتى جلال الخيل بالعرق مزقت بالموصل الحدباء شملهم * في مازق بوميض البرق ممتزق وفي الأرتقيين وماردين يقول:
ولكن لي في ماردين معاشرا * شددت بهم لما حللت بها ازري ملوك إذا القى الزمان حباله * جعلتهم في كل نائبة ذخري وما أحدثت أيدي الزمان إساءة * ووافيتهم الا انتقصت من الدهر ويقول:
وإذا ما غرقت في لجج الهم * ففي ماردين ملقى المراسي بلدة ما أتيتها قط الا * خلتها بلدتي ومسقط رأسي بذلوا لي مع السماحة ودا * هو منهم يزيد في ايناسي ويقول:
وقيدتني عندهم أنعم * هن قيد الأمل السائح ووكلت فكري بمدحي لهم * مكارم المنصور والصالح ويقول:
الا بلغ هديت سراة قومي * بحلة بابل عند الورود الا لا تشغلوا قلبا لبعدي * فاني كل يوم في مزيد لاني قد حللت حمى ملوك * ربوع عبيدهم كهف الطريد فمن يك نازلا بحمى كليب * فاني قد نزلت حمى الأسود ويبدو ان الأرتقيين لم يعاملوه معاملة الشعراء المستجدين الذين يهبونهم المال على قدر الإنشاد، بل حددوا له راتبا معينا يجري عليه، وعند ما قطعه مرة أحد نواب الملك الصالح قال:
عذرتك حين حلت وأنت بحر * لان البحر في مد وجزر وكان من عناية الأرتقيين به انه كان يصحب المنصور في حله وترحاله سواء كان هذا الترحال استجماما أو كان للقراع والقتال، فعدد صفي الدين المعارك وأشاد بالنصر وخلد كل ذلك شعرا كما فعل سنة 702 حين ذهب الملك المنصور بجيشه لفتح قلعة إربل فقال صفي الدين بعد المعركة الظافرة قصيدته التي مطلعها:
لا تخش يا ربع الحبيب همودا * فلقد أخذت على المعاد عهودا وكما كان يشدو بالواقع الحربية كان كذلك يتغنى برحلات الصيد والقنص فيكون له من ذلك قصائد في وصف الصيد وأدواته وطيوره وحيواناته، مستطردا إلى وصف الطبيعة أحيانا، والى الانتهاء بمدح الملك المنصور أحيانا.
وكما مدح الأرتقيين، كذلك رثاهم، فقد مات الملك المنصور وصفي الدين في بغداد فأسرع إلى ماردين يشاطر في المأتم ويبكي الرجل الذي حماه وآواه فمن رثائه له القصيدة التي يقول فيها:
وما كان يدري من تميم جوده * ونكب لج البحر أيهما البحر صفائح ارزاق العباد بكفه * فيمنى بها يمن ويسرى بها يسر اثر الرحلات في شعره كان للترحل الطويل الذي عاشه سواء في نزوحه اضطرارا إلى ماردين أو تنقله للتجارة أو سفره للحج كان لذلك اثر بارز في شعره فرأينا فيه ملامح لكل البلاد التي حل بها:
فكل يوم لي برغم العلا * في كل ارض غربة وانتزاح ففي ماردين وصف للطبيعة في عين الصفا وعين البرود ووصف للشتاء والمطر ووصف للقلاع والحصون، فضلا عن وصف المعارك والأهوال:
عين البرود برود عيني * ان عز منظر رأس عين ارض ينمق زهرها * ما فاض من نهر وعين ويظل يرفدها السحاب * بصوب وسمي وعين وفي مصر يصف النيل والسفن والأهرام:
وأخضر واديها وحدق زهره * والنيل فيه ككوثر بجنان وبه الجواري المنشأت كأنها * اعلام بيد أو فروع قنان نهضت بأجنحة القلوع كأنها * عند المسير تهم بالطيران والماء يسرع بالتدفق كلما * عجلت عليه يد النسيم الواني وفي دمشق يصف الرياحين والآجام:
ان جزت (بالميطور) مبتهجا به * ونظرت ناظر دوحه الممطور وارتك بالآصال خفق هوائه * الممدود في ظل الهوى المقصور سل بأنه المنصوب أين حديثه * المرفوع من ذيل الصبا المجرور وفي حماه يصف العاصي فحبذا العاصي وطيب شعبه * ومائه المسلسل المجمد والفلك فوق لجه كأنها * عقارب تدب فوق مبرد وناجم الأزهار من منظم * على شواطيه ومن منضد والورق من فوق الغصون قد حكت * بشدودها المطرب صوت معبد ويقول:
أطعت داعي الهوى رغما على العاصي * لما نزلت على ناعورة العاصي والريح تجري رخاء فوق جدولها * والطير ما بين بناء وغواص وقد تلاقت فروع الدوح واشتبكت * كأنما الطير منها فوق أقفاص حنينه إلى العراق والحلة رغد العيش الذي ناله في ماردين وصحبة الملوك ومتارفهم لم تشغله عن الحنين إلى موطنه بل ظل دائم التطلع إليه بقلبه:
أحباي في الفيحاء ان طال بعدكم * فأنتم إلى قلبي كسحري من نحري ويقول:
أ ترى البازي الذي لاح ليلا * مر بالحي من مدامع ليلى وترى السحب مذ نشأن ثقالا * سحبت من ربوع بابل ذيلا ما اضا البارق العراقي الا * أرسلت مقلتي من الدمع سيلا كيف انسى تلك الديار ومغنى * عامرا قد ربيت فيه طفيلا ان وردت الفيحاء يا سائق العيس * وشارفت دوحها والنخيلا ورأيت البدر في مشهد الشمس * يغشيان بأنه والأثيلا مل إليها واحبس قليلا عليها * ان لي نحو ذلك الحي ميلا