صحتها فقد عارضها ما هو أصح منها أما الحديث الأول ففي الصحيحين أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي ص وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي ص لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية إنك لا تهدي من أحببت الآية قال وقد أجاب المذكور عن قوله وهو على ملة عبد المطلب بان عبد المطلب مات غير كافر واستدل باثر مقطوع عن جعفر الصادق ولا حجة فيه لانقطاعه وضعف رجاله وهو حديث راشد الحماني المتقدم قال وأما الحديث الثاني وفيه شهادة أبي طالب بتصديق النبي ص فالجواب عنه وعما ورد في شعر أبي طالب انه نظير ما حكاه تعالى عن كفار قريش فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فكان كفرهم عنادا ومنشاوه من الآنفة والكبر إلى ذلك أشار أبو طالب بقوله لولا أن تعيرني قريش قال في الحديث الأول من حديثي الخطيب: قال الخطيب لا يثبت هذا الحديث أهل العلم بالنقل وفي إسناده غير واحد من المجهولين وجعفر ذاهب الحديث وقال في الحديث الثاني منهما: قال الخطيب لم أكتبه بهذا الإسناد إلا عن هذا الشيخ، ودبيس المقري صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير قال وأما الحديث الثالث أي من أحاديث مصنف الشيعي وهو حديث الهوزني فهو مرسل ومع ذلك فليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو معارضته لجنازته إذ لو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه وقد ورد ما هو أصح منه من طريق ناجية بن كعب عن علي قال لما مات أبو طالب أتيت النبي ص فقلت أن عمك الضال قد مات فقال لي إذهب فواره وقد أخرجه المذكور من وجه آخر عن ناحية بن كعب عن علي بدون قوله الضال وأما الرابع والخامس وهو أمر أبي طالب ولديه باتباعه فتركه ذلك هو من جملة العناد وهو أيضا من حسن نصرته له وذبه عنه ومعاداته قومه بسببه وأما حديث إسلام أبي قحافة فالمراد أني كنت باسلام عمك لو أسلم أشد فرحا مني باسلام أبي واستشهد لذلك ببعض الأحاديث المصرحة به وأما حديث راشد الحماني فأخرجه عن أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن يعلى بن أسد عن أبي صالح الحمادي عن أبيه عن جده سمعت راشدا الحماني فذكره وهذه سلسلة شيعية غلاة وقال قبل ذلك أنه مقطوع كما مر قال وورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي ص ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من النار ولولا انا لكان في الدرك الأسفل قال والأحاديث الصحيحة والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج بالمدينة بقوله في كتاب له وقد بعث النبي ص وله أربعة أعمام فامن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين.
وأنتم بنو بنته دوننا * ونحن بنو عمه المسلم وأما حديث ابن متيم فأخرجه عن أبي بشر المذكور عن أبي بردة السلمي عن الحسن بن ما شاء الله عن أبيه علي بن محمد بن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة فلا يفرح به وقد عارضه ما هو أصح منه ولم يتعرض لحديث الطبقات بشئ ولعله لاكتفائه بما ذكره في غيره من أنه لا يدل إلا على اعتقاده بنبوته لكنه لم يسلم عنادا وأنفة وقال في الحديث الأخير: قال تمام الوليد منكر الحديث قال ابن عساكر والصحيح ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص ذكر عنده أبو طالب فقال تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبه يغلي منه دماغه. انتهى ما أورده ابن حجر في الإصابة قال المؤلف والشنشنة الأخزمية معروفة في كل حديث يكون فيه فضيلة لأهل البيت ومن إليهم أو يوافق رأي الشيعة فأولا يقدح في سنده ما أمكن ويتمحل له الوجوه ولو اشتهر وكثرت رواته ومؤيداته ويكفي لذلك وجود من ينسب إلى التشيع في سنده فيقال رواته غلاة ولو كانوا معروفين بالصدق إما معارضه فلا يضر وجود الغلاة في النصب في سنده ولا الخوارج أمثال عمران بن حطان أو المغيرة بن شعبة لأنه صحابي مقدس ولو فعل ما فعل. ثم ينتقل إلى دلالته فيحتمل لها التأويلات البعيدة ولو كانت الدلالة صريحة جلية قوله وأسانيد هذه الأحاديث واهية، لم يبين وجه ضعفها هذا مع اعتضادها باشعاره المتواترة الصريحة في إسلامه وقد عارضها بما زعم أنه أصح منها كحديث للصحيحين مع أنه إذا ورد في الصحيحين ما لا يوافقهم لم يتحاشوا من القدح في سنده والقول بأنه ليس كل ما في الصحيحين صحيح مع أن حضور أبي جهل وابن أبي أمية عنده ومضايقتهما ومعارضتهما النبي ص في إظهار إسلامه يمنعه عن إظهاره لأنه لم ييأس من الحياة فيخشى ما كان يخشاه في حياته من عدم التمكن الكافي من نصرة رسول الله ص كما بيناه سابقا فاكتفى بقوله أنه على ملة عبد المطلب الذي ثبت من طريق أهل البيت ع أنه كان على الحق وعلى ملة أبيه إبراهيم.
أما قدحه في حديث الحماني بالقطع فلا قطع فيه فان رواية أبو بشر أحمد بن إبراهيم ذو مصنفات ذكرتها الشيعة في فهارسها وذكروا أسانيدهم إليها ووصفوه بالوثاقة وسعة الرواية وأنه من مشائخ الإجازة كما يأتي في ترجمته انش فأين موضع القطع لولا العصبية والتشبث بالباطل.
أما أن آية ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية فقد اختلف المفسرون في سبب نزولها فقيل نزلت في أبي طالب وحكى الفخر الرازي في تفسيره عن الواحدي عن الحسين بن الفضل الحسن بن الفضل خ ل أنه استبعده لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا ووفاة أبي طالب كانت بمكة في أول الاسلام وقول الفخر الرازي في رفع هذا الاستبعاد يمكن أن يكون بقي يستغفر له إلى نزول هذه الآية لا يرفعه فان الاستغفار للمشرك لم تكن فيه مصلحة ولم تتجدد فيه مفسدة حتى يقر الله نبيه عليه كل هذه المدة إن الله لا يغفر أن يشرك به وقيل نزلت في غيره ففي مجمع البيان عن تفسير الحسن أن المسلمين قالوا للنبي ص أ لا نستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية فأنزل الله سبحانه هذه الآية وبين أنه لا ينبغي لنبي ولا مؤمن أن يدعو لكافر ويستغفر له وفي تفسير الرازي يروي عن علي أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه المشركين فقال له أ تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أ ليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان فذكر ذلك لرسول الله ص فنزلت هذه الآية وفي تفسير الطبري بسنده عن مجاهد كان يقول المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافرا فأنزل الله وما كان استغفار إبراهيم الآية وفيه أيضا بسنده عن ابن عباس كانوا يستغفرون للمشركين حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم وإذا تعارضت الأخبار بطل الاستدلال بها مع أن أخبار إيمانه معتضدة بالمؤيدات القوية المتقدمة والمعارضة لها إنما