منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٢٧٥
حدوثها، لدلالة الغاية على أن المجعول قبل النهي هو حكم آخر، وقد دل قوله:
(مطلق) على أنه هو الإباحة لا غيرها، وعليه فيتمحض الشك في بقاء الإباحة لعدم صدور النهي واقعا أو عدم بقائها لصدوره، فقبل الشك في تشريع الحرمة لا ريب في القطع بعدمها، ولازم العلم بعدم النهي هو العلم بالإباحة الواقعية لا الظاهرية، إذ المفروض أنه لا شك في الحرمة قبل صدور النهي حتى يستفاد من قوله عليه السلام: (مطلق) إباحة المشكوك حليته وحرمته ظاهرا، بل المعلوم عدم الحرمة، و من الواضح أن الأشياء قبل الحرمة مباحة واقعا لا ظاهرا، وهذا ما ذكرناه من استلزام جعل الورود بمعنى الصدور لتبدل الإباحة الظاهرية بالواقعية، وأجنبية المرسلة عن مسألة البراءة، وكونها دليلا على إباحة الأشياء قبل الشرع كما مرت الإشارة إليه آنفا.
هذا بعض ما أفاده (قده) في الجهة الأولى.
وأما الجهة الثانية، فقال فيها: (والتعبير عن الوصول بالورود تعبير شائع لا ينسبق إلى أذهان أهل العرف غيره، بل الظاهر كما يساعده تتبع موارد الاستعمالات: أن الورود ليس بمعنى الصدور أو ما يساوقه، بل هو معنى متعد بنفسه، فهناك بلحاظه وارد و مورود، فيقال: ورد الماء وورد البلد ووردني كتاب من فلان. وان كان بلحاظ إشراف الوارد على المورود ربما يتعدى بحرف الاستعلاء، فالورود من الأمور المتضايفة المتقومة بوجود كلا المتضايفين، وفي المقام يكون الوارد هو الحكم والمورود المكلف، و لو كان معنى الحديث: - كل شئ مطلق حتى يصدر فيه نهي - لزمه تحقق أحد المتضايفين - أعني الحكم - بدون الاخر وهو محال، فلا بد أن يكون الورود بمعنى الوصول.