منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٥٧٢
في عصيان الوجوب فقط أو الحرمة كذلك، ولا دليل على الانحلال المزبور، بل الأحكام الشرعية كلها بسائط ولا تركب فيها أصلا. هذا مضافا إلى قيام الملاكات الداعية إلى تشريع الاحكام بالافعال دون التروك. وإلى أن مقتضى قوله: (قد ساوق الشئ لدينا الايسا) إرادة الفعل من (شئ) في (كل شئ لك حلال) وعليه فضمير (أنه) في (تعرف أنه حرام) راجع إلى الشئ المراد به الفعل، فلا يشمل الحديث إلا الفعل الدائر حكمه بين الحرمة وغير الوجوب، ولا يشمل (الشئ) الفعل والترك معا حتى يقال: ان (كل شئ) يعم الفعل و تركه، فحينئذ يكون الحديث أجنبيا عن دوران الامر بين المحذورين.
ولعل ما ذكرناه - من أن التقابل بين الغاية والمغيا وغيره يقتضي اختصاص الحديث بالشبهة البدوية التحريمية - هو منشأ استظهار المحقق النائيني قدس سره اختصاص الحديث بما كان طرف الحرمة الحل لا الوجوب حتى يشمل الدوران بين المحذورين، فتعليل عدم الشمول بما ذكرناه - من ظهور الغاية وغيره - أولى من دعوى الانصراف التي أفادها شيخنا الأعظم بقوله: (ولكن الانصاف أن أدلة الإباحة فيما يحتمل الحرمة تنصرف إلى محتمل الحرمة وغير الوجوب) لما عرفت من أنه مع ظهور الغاية في ذلك وغيره لا ينعقد الاطلاق من أول الامر، ومع تسليمه فيمكن الخدشة فيه بكونه بدويا غير صالح لتقييد المطلق.
مضافا إلى أن تسليم شمول الاطلاق للمورد يقتضي قابلية الحديث للاستدلال به على البراءة في الشبهة الوجوبية غير المقرونة، مع أنه قدس سره تمسك هناك بالاجماع المركب، والحال أن شمول الاطلاق له أسهل مئونة من شموله لما نحن فيه أي مما دار أمره بين الوجوب والحرمة، وعليه فالمتعين