منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٢٦٩
وأما دلالته، فالمصنف (قده) مع بنائه على كون الورود بمعنى الصدور استظهر منه الإباحة الظاهرية، ولذا جعله من أدلة البراءة. ولكن اعترض عليه بعض أعاظم تلامذته (قده) بوجوه سيأتي بيانها بعد التعرض لما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) حول هذا الحديث و محصله: (أن الورود فيه بمعنى الصدور، والمراد بالاطلاق الإباحة الواقعية الثابتة للشئ بعنوانه الأولي دون الإباحة الظاهرية، فالمعنى:
كل شئ مباح واقعا حتى يصدر فيه نهي من الشارع، والغرض من الحديث: نفي اعتبار قاعدة الملازمة، وعدم جواز التعويل عليها في استنباط الأحكام الشرعية، فكل شئ يحكم بأنه مباح واقعا وان أدرك العقل قبحه، ولا يحكم بحرمته ما لم يصدر نهي من الشارع المقدس عنه، فلا يلزم حينئذ توضيح الواضحات حتى يستبعد صدوره من الشارع).
أقول: فيه - مضافا إلى شمول قاعدة الملازمة للواجبات وعدم اختصاصها بالمحرمات وعدم ملائمة ما أفاده (قده) إلا بناء على وجود كلمة (أو أمر) في الحديث - أنه لا ريب في توقف حكم العقل بحسن شئ أو قبحه على إحراز علته التامة من المقتضي والشرط وعدم المانع، فبدون إحراز هذه الأمور الثلاثة لا يحكم بشئ من الحسن و القبح، ومع إحرازها لا يعقل عدم حكمه به، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، فالمنع عن حجية حكم العقل ان كان صغرويا بمعنى قصوره عن إدراك المقتضيات والشرائط والموانع بنحو السلب الكلي فهو ممنوع، لاستقلاله بحسن العدل والاحسان وقبح الظلم و العدوان ونحوها من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها.