منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ٣١٣
ومنه ظهر أنه لا تعارض بين القاعدتين، فان كل واحدة منهما حكم عقلي عملي قطعي، ولا معنى للتعارض بين القطعيين، بل كل ما يتراءى منه التعارض فليس منه حقيقة بل أحدهما رافع لموضوع الاخر.
نعم قد يناقش في كون الوجوب عقليا إرشاديا بما في حاشية بعض المدققين (قده) من قوله: (وأما كونها حكما عقليا عمليا، فحيث ان العاقلة لا بعث لها ولا زجر لها، بل شأنها محض التعقل كما مر تفصيله في مبحث الظن وغيره، ومنه تعرف أنه لا معنى لحكم العقل الارشادي، فان الارشادية في قبال المولوية من شؤون الامر، وإذ لا بعث ولا زجر فلا معنى لارشادية الحكم العقلي، فلا محالة ليس معنى الحكم العقلي الا إذعان العقل بقبح الاقدام على الضرر بملاك التحسين والتقبيح العقلائيين).
أقول: المستفاد من كلامه (قده) اعتبار قيدين في الارشادية: أحدهما:
كون الارشاد بالامر، والاخر كون المرشد هو الشارع. وان شئت فقل: ان الارشادية كالمولوية من وظائف الشارع وخصائصه، وان الامر ينقسم إلى المولوي والارشادي، فليس لغير الشارع الارشاد، كما أنه لا يكون الارشاد بغير الامر.
وأنت خبير بما في كليهما، إذ في الأول أن الارشادية التي هي عبارة عن الاخبار عما في الشئ من النفع والضر والصلاح والفساد من الأمور العرفية التي لا تختص بلفظ خاص، بل تتحقق الارشادية بكل ما يحكي عن صلاح الشئ وفساده ولو كان فعلا أو كتابة، ولا تختص بصيغة الامر، بل الغالب في المبرز غيرها كإخبار الطبيب و غيره من أهل الخبرة بما في الأشياء من المنافع والمضار والمصالح والمفاسد.