الأصل في الشك السببي بلسان كالصريح في عدم انطباق عموم لا تنقض على الأصل المسببي الموجود في مورده، فإنه في الصحيحة الأولى قد صرح بانطباقه على استصحاب الوضوء الذي معناه الإكتفاء بصلاة يصلى معه، مع أن الشك فيه يوجب الشك في صحة الصلاة المشروطة بالطهارة، فيجري استصحاب بقاء وجوبها كما أن الصحيحة الثانية لزرارة قد صرحت بجريان استصحاب الطهارة في الثوب، مع أنه يوجب الشك في صحة الصلاة المشروطة بطهارة اللباس فيجري استصحاب بقاء وجوبها، فلسان الصحيحتين صريح في إختصاص الشك في بقاء الطهارة حدثا أو خبثا بجريان الاستصحاب، وهو لا يكون إلا إذا اختص العموم بالشك السببي، كما عرفت.
إن قلت: إن لنا في مورد الصحيحتين أصلين سببيين بالنسبة لاستصحاب الوضوء وطهارة اللباس، وهما استصحاب عدم حدوث ناقض النوم وعدم ملاقاة الثوب للنجس، فإن حدوث النوم أو الملاقاة سبب للحدث والنجاسة، واستصحاب عدمهما لابد وأن يجري ويتقدم على استصحاب بقاء الوضوء وطهارة اللباس. فالصحيحتان تصيران دليلا على عكس المراد.
قلت: قد مر منا: أن استصحاب العدم في الموضوعات لا قيمة له أصلا، لعدم انتهائه إلى تعيين وظيفة عملية، لما عرفت من أن الاستصحاب إنما يتعبد ببقاء المتيقن ليس إلا، ولا ينتهي إلى تعيين وظيفة عملية إلا إذا كان هنا كبرى شرعية، وليست لنا كبرى إلا في إثبات الأحكام لا في نفيها، فهاتان الصحيحتان أيضا شاهدا صدق ما اخترناه هذا كله حول الاستصحاب في الشك السببي والمسببي، وهو أول القسمين.
وأما الثاني: - وهو: أن لا يكون بين الشكين في الاستصحابين المتعارضين هذه السببية والمسببية - فالمراد بتعارضهما أن يعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع، وإلا فربما يجري كلاهما، وكيف كان فقد ذكر الشيخ الأعظم (قدس سره) أقساما أربعة، لأنه إما أن يكون إجراؤهما ترخيصا في المخالفة القطعية لتكليف معلوم