قلت: إن جريان الاستصحاب في طهارة الماء وإن لم يتعبدنا بحصول اليقين بطهارة الثوب، إلا أنه يكفي عند العقلاء في عدم جريان استصحاب نجاسة الثوب المغسول به، فإنهم إذا التفتوا إلى قيام طرق معتبرة هي علوم عرفية منضمة إلى أصل يكون لسان دليله أن المكلف على يقين وعلم بمورده لما يشكون في أن النتيجة ما فوق الشك عند الشارع، فلا ينطبق فيها دليل موضوعه الشك محضا والله العالم.
ثم إن هذا كله في وجه تقدم الاستصحاب الجاري في طهارة الماء على استصحاب نجاسة الثوب.
ولا يبعد أن يقال بتقدم قاعدة " كل شئ طاهر " على استصحاب نجاسته - مثلا - أيضا، لا لما مر من بيانات الورود أو الحكومة التي اخترناها، إذ قد مر خلل الورود، والحكومة متقومة بلسان حصول العلم المفقود في قاعدة الطهارة، بل لأن ظاهر تعرض الشارع للحكم بطهارة الأشياء ما لم يعلم قذارته يوجب انعقاد ظهور قوي له في ترتب الآثار الشرعية على موارد جريانها، ولو كان من ناحية تطبيق كبريات هذه الآثار عليها، وهذا الظهور أقوى من إطلاق دليل اعتبار الاستصحاب في الدلالة على شموله لنفي هذه الآثار في مواردها وموضوعاتها.
والله العالم.
هذا كله حول الوجه الثاني لتقدم الاستصحاب السببي أعنى كونه موجبا لارتفاع موضوع الاستصحاب في الشك المسببي، وقد عرفت أن الصحيح هو وجه الحكومة بالبيان المتقدم منا آنفا.
ثالثها: ما عن الشيخ الأعظم (قدس سره) ذيل الوجه الثاني، وحاصله: أن للشك السببي لازمين في الوجوه: أحدهما حكمه الشرعي بعدم نقض اليقين به، وثانيهما الشك المسبب عنه في حدوث الأثر المسبب عن متعلقه، وهذان اللازمان في رتبة واحدة، فلو أريد الحكم على الشك المسببي أيضا بعدم نقض اليقين به لصار أحد المعين موضوعا ومقدما والآخر حكما له ومتأخرا، وهو خلاف فرض المعية لهما.