للاستصحاب، واليقين الآخر الذي يصلح أن يكون ناقضا لذلك اليقين إنما هو اليقين بخلاف الطهارة الواقعية، أعني اليقين بنجاسته الواقعية، وغيره لا يصلح للناقضية بل يجري معه الاستصحاب.
مثلا: إذا علم بإباحة عصير عنبي غير مغلي يكون ملك نفسه، ثم شك في بقاء إباحته لاحتمال غليانه، فلا ريب في جريان الاستصحاب فيه، ثم إذا انتقل هذا العصير إلى آخر ولم يرض مالكه الجديد بشربه، فهو وإن كان عالما بحرمة شربه بما أنه تصرف في مال الغير لكنه بعد يكون شاكا في بقاء إباحته الذاتية، ويصدق في حقه أنه كان على يقين بإباحته الذاتية فشك فيها، ولا ينافيه يقينه بحرمته بما أنه تصرف في مال الغير.
وتظهر الثمرة في ما إذا اضطر إلى شرب عصيرين كلاهما ملك غيره ولا يأذن بالتصرف فيهما إلا أن أحدهما قد غلى ولم يذهب ثلثاه، والآخر مشكوك الغليان، فإن الأول محرم من وجهين، والثاني من جهة واحدة، وليس له ارتكاب ذي الجهتين مع إمكان ذي جهة واحدة، فمشكوك الغليان مثل المعلوم عدم غليانه يقدم ارتكابه على المغلى، كما لا يخفى.
وبالجملة: مقتضى وحدة القضيتين أن تكون هذه الوحدة من جميع الجهات حتى من جهة الواقعية والظاهرية، ومع الاختلاف فموضوع الاستصحاب أعني الشك في ما تيقن به متحقق والاستصحاب جار.
ومنها: ما يظهر من بعض آخر من عبارات الشيخ الأعظم (قدس سره) مثل قوله: " إن نقض يقين النجاسة بالدليل الدال على أن كل نجس غسل بماء طاهر فقد طهر، وفائدة استصحاب الطهارة إثبات كون الماء طاهرا به ".
فقد صرح بأن شأن استصحاب طهارة الماء - مثلا - ليس إلا إثبات الموضوع، وهو الذي قد مر أنه مقتضى التحقيق، ثم إن الدليل الاجتهادي الدال على أن الماء الطاهر يطهر ما يغسل به ينطبق عليه، ويحكم بطهارة الثوب النجس الذي غسل به، فالحاكم بطهارة الثوب إنما هو هذا الدليل الاجتهادي، ويكون نقض اليقين