اليقين الآخر إنما هو اليقين المضاد لنفس ذاك اليقين، وهو اليقين بأن نفس هذا الثوب ليس بطاهر بل هو نجس، ولا محالة ينحصر اليقين الناقض لليقين السابق في اليقين التفصيلي بالخلاف ولا يعم الإجمالي منه أصلا. ففي موارد العلم الإجمالي بارتفاع الحالة السابقة يكون كل من الطرفين أو الأطراف مشمولا لكبري لا تنقض ليس إلا.
وثانيا: لو تم هذا الوجه لجرى في الصورة الثالثة أيضا مع أنه (قدس سره) صرح بجريان الاستصحاب في كلا الطرفين فيها. هذا.
والمشهور بين المشايخ هنا: أن المانع هنا أحد الأمرين: إما لزوم تجويز المخالفة العملية لتكليف الزامي معلوم بالإجمال، فإن العلم الإجمالي علة تامة لتنجزه، ومعه لا يمكن ترخيص مخالفته، فإنه مناقض لتنجزه، وإما قيام الدليل على تلازم أمرين حتى في الحكم الظاهري فيما كان مقتضى الاستصحابين التفكيك بينهما، كما في القليل النجس المتمم كرا بالطاهر.
أقول: إن مانعية الثاني واضحة، وأما الأول فقد مر في مباحث الاشتغال أن للشارع أن يجعل الجهل التفصيلي بالتكليف عذرا مجوزا للمخالفة كما جعل الجهل الابتدائي في الشبهة البدوية، والاكراه أو النسيان عذرا، لكنه لو سلمنا علية العلم الإجمالي لتنجز التكليف فاللازم منه امتناع ترخيص طرف واحد أيضا، فإن في ترخيصه احتمال المناقضة، والتناقض مستحيل غير محتمل التحقق أصلا.
نعم، قد عرفت أن لنا أدلة خاصة دلت على عدم جريان الأصول المرخصة في أطراف العلم الاجمالي، فقد روى سماعة في الموثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر، لا يدري أيهما هو، وليس يقدر على ماء غيره؟ قال: " يهريقهما ويتيمم " (1).
ومثله بعينه موثقة عمار الساباطي (2)، فراجع.